وهي ظاهرة في المراد ، جامعة بين أخبار الباب ، كما لا يخفى على اولي الألباب.
وكيف كان ، فلا دلالة لشيء منها على بطلان العصر متى أُوقعت بعد الفراغ من صلاة الظهر ، ولو بلا فاصل ما ، وهل المراد بالوقت إلّا هذا؟! لكنّ الظاهر من قرائن المقام أنّ مراده عليهالسلام هو ما بعد فضيلة الظهر خاصّة من هذا الكلام :
أمّا أوّلاً ؛ فلأنّ قصده عليهالسلام منه إنّما هو التحديد ، وهو لا بدّ أن يكون بوقت مخصوص لا يختلف بالقريب والبعيد ، وإيكال الحدّ لما بعد الفراغ من الظهر ناءٍ عن صقع الانضباط نازح عن سواء الصراط لاختلاف الأشخاص في طول الصلاة وقصرها ، وتقديمها وتأخيرها ، والإتيان بالنافلة وتركها ، واختلاف المتنفّلين أيضاً في أحوال النوافل ووظائفها.
وأمّا ثانياً ؛ فلأنّ التعليل بقوله عليهالسلام : « فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم انجلت الهيجاء » (١) .. إلى آخره ، إنّما ينطبق على تأخير العصر بذلك المقدار لوقوع قتل الحسين عليهالسلام بمقتضى التواريخ بين الظهر والعصر بعد أن صلّى الظهر روحي له الفداء بأصحابه النجباء.
فإنّ انجلاء الغمّة إنّما وقع بعد قتل الحسين عليهالسلام سراج الظلمة وأصحابه ذوي الشرف القصير (٢) وعلوّ الهمّة ، ورفع الحرج عن النساء والأطفال من أهل بيت العصمة في شرب الماء بعد أن يبست أكبادهم من الظمأ ، وبعد انطفاء نار الحرب العوان ، وفراغ أهل الظلم والعدوان من القتل والتجهيز على حزب الرحمن ، وذلك لا يكون إلّا بعد مضي تلك المدّة والزمان.
وبالجملة ، فلا أرى بحسب الفهم القاصر وجهاً لكلامه النيّر الزاهر سوى هذا
__________________
(١) مصباح المتهجد : ٧٢٤ ، إقبال الأعمال ٣ : ٦٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٨ ، أبواب الصوم المندوب ، ب ٢٠ ، ح ٧.
(٢) أي : أنّ أنسابهم معروفة ، فذكر الابن يكفي عن الانتماء إلى الجد. لسان العرب ١١ : ١٨٦ ، القاموس ٢ : ١٦٨.