وللنظر فيه مجالٌ ، وللمناقشة فيه محالٌّ.
أمّا الأوّل ؛ فللبعد كلّ البعد أنْ تصدر مثل هذه الاتّفاقات في عامّة الأزمنة والأوقات.
وأمّا الثاني ؛ فلمخالفته سياق الكلام بما تمجّه الطباع والأفهام ؛ لقوله عليهالسلام في الصدر : « إذا كنت خلف إمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القراءة » ، فكيف يسأله الراوي عن حال الانفراد أو الاقتداء بالغير تقيّة؟ إذ المتبادر إلى الفهم السليم والطبع المستقيم أنّما هو الاستفهام عمّا يفعله عليهالسلام في هذه المسألة بعينها طلباً للتأسّي بأفعاله وأقواله في جميع أحواله.
وأمّا الثالث ؛ فواضح السقوط عن سماء القبول والهبوط كما يحكم به سَوْقُ الكلام ومقابلة السؤال والجواب ، وإنّما يتذكّر أُولوا الألباب ، ولهذا حكم ونوّر قبره ببعده ، بل عدم صحّته في آخر الكلام.
إذا تقرّر هذا ، فنقول : لا يخفى عمّن نظر بعين الاستفادة والتتبّع والتحقيق في جوهر الكلام ونوره وصفاته وظهوره ، وقطع النظر عن الأُمور الخارجيّة والوساوس الوهميّة في بصر بصيرته وسُوَيْداء سريرته ، وطابق بين صدر الخبر وعجزه وسؤاله وجوابه ومفرداته ، أنّ قوله : « اقرأ » فعل أمر مسوقاً لبيان ما فوق المجزي ، فإنّ الإمام عليهالسلام لمّا نهاه عن القراءة خلف المرضيّ في الأُوليين وأخبره بإجزاء التسبيح في الأخيرتين ، استشعر الراوي هنا شيئاً فوق المجزي فسأل عنه قائلاً : أيّ شيء تقول؟ أي : تفتي به وتأمرني بالعمل به غير هذا المجزي ، كما هو الشائع في الألسنة في مثل هذه الأسئلة ، فأمره بقراءة فاتحة الكتاب.
ويؤيّده : أوّلاً : مجيء بعض الأخبار بوفاقه ، كصحيح سالم بن مُكْرَمِ الجمّال ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وفيه : « وإذا كنت في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أنْ يقرءوا فاتحة الكتاب » (١).
فإنّ الخبر الأوّل (٢) دلّ على إجزاء التسبيح وأفضليّة القراءة ، والثاني (٣) دلّ على أفضليّتها أيضاً ، ولهذا لم يتعرّض للتسبيح المجزي ، فمفاده تأكّد الاستحباب جمعاً
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨٠٠.
(٢) انظر : ص ٣٨ هامش ٧.
(٣) انظر : هامش ١ من نفس الصفحة.