أوّلاً : بأنّ الأحكام لا تؤخذ كلّها من مقام واحد.
وثانياً : بأنّ الجهر بها لمّا كان من شعارهم ومعلوماً عندهم لم يحتج إلى بيانه ، فلا يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بل ولا الخطاب.
فقوله : ( وقد نقل إجماع أهل العدل غير واحد ) .. إلى آخره ، لا نزاع فيه ولا شكّ يعتريه ، إلّا إنّه خارج عن محلّ النزاع ، كما لا يخفى على نبيه.
وقوله : ( وقريب منه كلام العلّامة ) .. إلى آخره.
وجه القرب : أنّ السيّد المرتضى قال : ( إنّ المجمل يجوز تأخير بيانه إلى وقت الحاجة وإنْ كان ممّا له ظاهر وأُريد به غير ظاهره ، كالعامّ إذا أُريد به الخصوص لم يجز تأخير بيانه ) (١).
والقول الذي حكاه العلّامة في نهايته وجعله الحقّ هو جواز تأخير البيان لما ليس له ظاهر كالمجمل ، وأمّا ما له ظاهر وقد استعمل في غيره كالعامّ أو المطلق أو المنسوخ ، فيجوز تأخير بيانه التفصيلي لا الإجمالي.
ولا يخفى أنّه لا يكاد يظهر بين القولين فرق إلّا في التقييد بالتفصيلي وفي جهة النسخ ؛ فإنّ أصحاب القول الأوّل قيدوا البيان بالأوّل دون السيّد ، والسيّد لم يتعرّض للثاني في البحث ، إلّا إنّه نقل الإجماع (٢) على حسن تأخير بيان مدّة الفعل المأمور به والوقت الذي بيّنه فيه عن وقت الخطاب ، ثمّ إنّ اختيار العلّامة ذلك القول مع رغبته ظاهراً عن قول السيّد بعيد من مثله :
أمّا أوّلاً ؛ فلمخالفته ما هو المعروف منهم من اشتراط تأخير الناسخ ، حتى جعلوه فارقاً بين النسخ والتخصيص.
وأمّا ثانياً ؛ فلمخالفته نفسه في ذلك الكتاب بعينه ، حيث عدّه في مباحث النسخ شرطاً لتحقّقه من غير توقّف ، وجعله كغيره فارقاً بين النسخ والتخصيص ، اللهمّ إلّا أن يجعل عدولاً عن اشتراط التأخير ، وفيه ما فيه.
ثمّ قال أزال الله عنه البلبال ـ : ( والجواب عن الرواية أنّها لا تدلّ إلّا على مطلق الجهر ،
__________________
(١) الذريعة إلى أُصول الشريعة ١ : ٣٦٣.
(٢) الذريعة إلى أُصول الشريعة ١ : ٣٧٤.