ولم يستجيبوا. لذلك جاء الردّ الإلهي قويّاً كاشفاً عن ذلك العيب الخطير في التردّد والنكوص ، وعن الهوة القاتلة بين ما يدّعيه الإنسان وبين فعله ، وأنّ ذلك يبعث علىٰ غضب الله ومقته ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (١).
ثم تثير السورة مبدأً خلّاقاً يرسم للفرد حركته من خلال مجتمعه ليبادله الانسجام وينفعل في الاتجاه العام لهذه الحركة الاجتماعية من أجل أن تتناسب هذه الحركة مع عظمة الهدف الاسلامي المتمثل بالدفاع عن هذه العقيدة بوجه كلّ المحاولات الرامية لاطفاء النور الرسالي والنفحة الربّانية علىٰ وجود هذا الجسم المبارك ، ومن أجل أن يكون تحرّك هذا الفرد ضمن مجتمعه التوحيدي المسلم مثمراً متماسكاً قادراً علىٰ توجيه الضربة للأعداء ، ومن جهة اُخرىٰ يجب أن يوفّر القدره علىٰ دفع الخطر التياري الكافر.
إنّ أية مساهمة يبذلها كلّ منّا كأفراد مسلمين يجب ألّا تكون بمعزل عن الآخرين بل يجب أن تعتمد برنامجاً نابعاً من قلب التشريع ، قادراً علىٰ جمع وتثوير هذه الأمة المسلمة ضمن منطلقات واحدة وصوب هدف مشترك ، وعلى هدىٰ بيّن من غير تبعيض لهذا التوجّه أو تسويف بوحدتها.
وتأتي الآية المباركة ملقية حبّ الله المتعال علىٰ المقاتلين في سبيله في تيار متين واحد ، وهم يمثّلون صفّاً واحداً متماسكاً مرصوصاً كالبُنيان الذي اصطفت لبناته وتآخت مع بعضها متساندة متجاورة تتعانق من أجل وحدة الصفّ وقوّته.
_______________________
(١) سورة الصف : ٦١ / ٢ ـ ٣.