الدنيا هشيم يحترق
( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ) (١).
جاء هذا المثل بعد مثل الجنتين وبين أن الإنسان قد يُخدَع بالحياة الدنيا فيتصوّرها دائمة له يعيش في كنفها وتدفع عنه نذر الموت ، إنّ هذه المشاعر والأحاسيس إنّما تتولّد جراء الغفلة وعدم الالتفات الىٰ المنقلب ، وحين تطحنه الدنيا بدولابها الكبير يستحيل فاقد الإرادة مستسلماً لم يتمكّن من الرفض ولم يحاول أن يتجاوزها ولو مرّة واحدة ، وقد تحيا الدنيا في نفس محبيها عشقاً يغمر نفوسهم يأخذ بعقولهم بعيداً عن حسابات المنطق الإلهي القويم ، وهكذا نواجه في حياتنا الكثير من الناس يعيشون فيها لعمارتها ، وينقطع في ذهنهم شريط الأحداث ، فلا يرون فيه إلّا دنياهم الغرور ، لذلك لا يروق لعاشقيها سماع موعظة أو بيان في أخراهم ، وإذا سمعوها لم يعوا مقالةً ولم يفقهوا خطاباً ، حتىٰ يستسلموا إلىٰ العمىٰ والضلال ، ويشربوا كأسها إلىٰ الثمالة ، قال الإمام الكاظم عليهالسلام : « مثل الدنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتىٰ يقتله » (٢).
ولقد جاء هذا المثل لبيان قصر الحياة الدنيا وسرعة انقلابها إلىٰ الفناء
_______________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٥.
(٢) تحف العقول : ٣٩٦.