المجرّد (صَعِدَ) وهذا ما يذهب إليه علماء اللغة بأن زيادة المبنىٰ في الكلمة يسبّب شدّة في المعنىٰ ؛ وزادت الآية في ذلك فاستخدمت كلمة « الرجس » وهو القبيح والقذر من الضلال أو العذاب أو اللعنة ، فيجعله الله علىٰ الذين لا يؤمنون بوحدانيّته ، أو علىٰ من يرفض بعض ما أنزل من المعارف والأحكام ، لتصير هذه القذارات حائلاً ومانعاً بين الضالّ وبين الآخرين وسبب تنفيرٍ لهم.
فضيلة البصير
( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) (١).
عرض القرآن الكريم فريقين يبعد أحدهما عن الآخر بعداً لا يوصف ، ومن غير الممكن أن يكون لهذين الفريقين نقطة التقاء أو خط للتقارب إلّا أن يسجّل أحدهما حالة تراجعية عما يعتقد فيه ، فهذا الفريق الكافر الذي يفتري علىٰ الله الكذب ويصدّ عن سبيل الله ويبغيها عوجاً ويقصد الانحراف عن وعي منه وإدراك ، لا يمكننا أن نتصوّر له لقاءً مشتركاً مع الفريق الآخر المؤمن الذي يخبت إلىٰ ربّه ويعمل الصالحات ، ويسمع فيتفكّر وينتفع ببصره وبصيرته ، قال أمير المؤمنين : « فانما البصير من سمع فتفكّر ، ونظر فأبصر ، وانتفع بالعبر ، ثمّ سلك جُدداً واضحاً يتجنّب فيه الصرعة في المهاوي » (٢).
_______________________
(١) سورة هود : ١١ / ٢٤.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٨.