والعمي الذين فقدوا منافذ السمع والقدرة علىٰ الاستجابة لما دعوا إليه ، ولم يشاهدوا دلائل التوحيد والحقّ ، فهم بذلك لا يعقلون حين سدّوا عليهم منافذ التعقّل ، وقد صاروا أضلّ من البهائم ، لأنهم فقدوا بوابات التعقّل التي لم يمتلكها البهائم في أصل الخلقة ، ويمكن تقدير المثل « مثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع .. » .
وإنّ نداء هذا الداعي كنداء الراعي حين ينعق علىٰ بهائمه ! فهي لا تحسّ بما وراء ندائه وطلبه منها إلّا صوت نعيقه وزجره لها ، ولا تفهم شيئاً آخر ، ولا تعي كما يفهم العقلاء ويعون.
الكشّاف
( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١).
النور كاشف بذاته مبدد للظلمات ومضيؤها ، وهذا الوجود كلّه من فيض نوره سبحانه ، والله جلّ شأنه هو الدليل الهادي والكاشف لظلمات النفس ، وقد هدىٰ الخلق بعد إيجادهم ببيان الطريق المستقيم ، وتزويدهم بالحجّة والدليل ، وجرى الكون وانتظم ضمن سُننه وقوانينه ، قاهتدىٰ بعد خلقه ، وهذه النورانية
_______________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٣٥.