منبثّة في تضاعيف الكون وطيّات النفوس ، وحين تغيب عن وجدان الإنسان ، سيركن إلىٰ ظلمات الأرض ويفقد هداه ، ويضلّ ، وتضطرب نفسه ، وترتعد جوارحه من شدّة الخوف وغياب الأمن وضلال الطريق ، جاء في دعاء الإمام زين العابدين عليهالسلام : « وهب لي نوراً أمشي به في الناس ، وأهتدي به في الظلمات ، وأستضيء به من الشك والشبهات » (١).
ومن يتأمّل في مفردات هذا الكون وفي زوايا حياته الاجتماعية ووجوده الإنساني وينظر إلىٰ الطبيعة التي فطرها الله سبحانه وأنشأها وسخرها لخدمته ، يجد نوراً إلهياً يسري في هذه الموجودات ، وروحاً عامة تضبط أطرافها ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي منوّرهما ، يحسّها في قوانينها المنتظمة المتناغمة مع بعضها بعيداً عن أية حالة فوضوية تعبث في مسيرتها باستثناء الدائرة الاختيارية للإنسان ، وما ينتج عنها ويترتّب عليها من صنع الإنسان نفسه.
ولكن حين يملأ الشؤم صدر هذا الإنسان ، ويحاول أن ينظر في هذه الموجودات من نفس غطّتها سحب الضلال وظلمات التيه والانحراف ، فإنه لا يرىٰ هذا النور الذي يملأ السماوات والأرض إلّا بقدر ما تحياه فطرته من نور الوجود.
وفي هذه الآية الكريمة أضاف الله سبحانه النور لنفسه ( مَثَلُ نُورِهِ ) وهنا يذهب السيد الطباطبائي رحمهالله إلىٰ أنّ المقصود به هو النور الذي يلقيه علىٰ المؤمنين بدليل قوله تعالىٰ : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ). (٢)
_______________________
(١) الصحيفة السجادية : الدعاء ٢٢.
(٢) تفسير الميزان / الطباطبائي ١٥ : ١٢٥.