والتهويل من خطورة هذا المرض الخبيث ، حيث يصور القرآن الغيبة بأنها أكل للحوم الآدميين ، وأي آدميين ! فقد عبّر القرآن الكريم بقوله : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) (١) وكان خطاب الآية نفسها للذين آمنوا ولا أخوة حقيقية في منطق القرآن إلّا للمؤمنين ، وما يجري في مجتمع المؤمنين أشدّ وأنكىٰ ، حتىٰ بلغ الأمر ببعضهم أن يجلسوا ويتشاوروا ويتناجوا من أجل تسقيط مؤمن ونزع اعتباره الاجتماعي حتىٰ لو اضطروا إلىٰ إضافة ولصق ما ليس فيه ، فهو بهتان أشدّ من الغيبة ، فلا يدرون وهم سادرون في ذلك حتىٰ تحترق حسناتهم ، فيقبلون علىٰ الله سبحانه بسيئاتهم وسيئات من تناولوه.
نقض العهود
( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (٢).
وردت هذه الآية بعد آيتين تعرّضتا لمباديء أخلاقية أساسية كالأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربىٰ والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي والايفاء يعهد الله سبحانه ، وقد توسّع هذا العرض القرآني عند هذا الأساس الأخير ، فشدّد
_______________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٢.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٩٢.