الفرد المخدوع
( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١).
الدنيا الغَرُور المهلكة طلّابها القاتلة محبّيها ، تتزيّن لضحاياها من البشر لتلقي بهم في شراكها القاتلة ، فما أشدّ غفلة الإنسان عن مصيره الذي ينتظره ! وبينما هو مشغول بها فإذا به ميت وكأنه لم يكن شيئاً مذكوراً.
إنّ حبّ الدنيا والانشغال بها كثيراً قتل الماضين ، فمثلها ـ كما يقول أمير المؤمنين علي عليهالسلام ـ : « كمثل الحيّة ليّن مسّها والسم الناقع في جوفها يهوي إليها الغر الجاهل ، ويحذرها اللبّ العاقل » (٢) ولكن قلّ مَن يعتبر ، تهلكهم واحداً بعد واحد ، ولا يكونون منها علىٰ حذر ، ونجد من عمّرها وكدّ وسعىٰ فيها ، يموت عليها حسرة حين يتكشّف زيفها ويضعف بدنه عن تناول لذائذها ، فهي كالقنطرة للعبور لا للتعمير والزينة.
لقد طالعتنا الآية الكريمة في سورة يونس بتشبيه وتجسيد لحقيقة الدنيا من خلال مشاهدات الإنسان ومحسوساته الحياتية المتكرّرة ، فالماء النازل علىٰ
_______________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٢٤.
(٢) نهج البلاغة : الحكمة (١١٩).