فالذي يشاهد النبات وهو يختلط بماء السماء ، يراه مخضرّاً ينمو ويتحرّك ويزهو ، فيأخذ بنفسه ويتمكّن من رغبته ، ثمّ لا يدوم له ذلك فيصيبه اليبس ويتحوّل إلىٰ هشيم متكسّر ومتفتّت تطيره الرياح فيزول ويفنىٰ ، وإنّ الله مقتدر لا يمنعه مانع من ذلك ، هذا هو شأن الدنيا تزول وتفنىٰ بسرعة بعد زهوها وخيلائها.
وبعد ذلك ذكر القرآن الكريم مباشرة أنّ المال والبنين هما زينة الحياة الدنيا ، وليس لهما وجود حقيقي ، أو بقاء خالد ، ولكن النفس تلتذّ بالمال والبنين وآثارهما ، لما يتركانه من لذّة الجمال والقوّة التي يتزيّن بها أصحابها ، بينما يؤكّد القرآن الكريم علىٰ القيمة الحقيقية والأثر الخالد الذي تتركه الباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والطاعات ، قال رسول الله : « الدنيا ساعة ، فاجعلوها طاعة » (١).
فلا بقاء إلّا للعمل الصالح ، وهذه الدنيا فانية زائلة بزينتها من الأموال والأولاد لذلك ينبغي الالتفات إلىٰ ما يبقىٰ ويخلد وينفع آخرة الإنسان ، قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « ألستم في مساكن من كان قبلكم ، أطول أعماراً ، وأبقىٰ آثاراً ، وأبعد آمالاً ، وأعد عديداً ، وأكثف جنوداً ، تَعَبّدوا للدنيا أيّ تعبّد ، وآثروها أيّ إيثار ، ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ ، ولا ظهر قاطع » . ثمّ قال : « فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها وآثرها وأخلد إليها حتىٰ ظعنوا عنها لفراق الأبد » (٢).
_______________________
(١) بحار الأنوار ٧٧ : ١٦٤ / ٢.
(٢) نهج البلاغة / تحقيق محمد عبده : ٢١٩ الخطبة (١١١).