خطاب المبعوثين
دأب القرآن الكريم في عرضه القصصي لا سيّما قصص المرسلين علىٰ إبراز محورَي الصراع ، فهناك طرفان لكلّ منهما حضارة ، وفكر ، وأسلوب ، وممارسة ، ولغة ، وأخلاقية.
فحضارة التوحيد والعلم والرحمة والبناء ، تقابلها حضارة الشرك والجهل والعدوان والتخريب ، وقد شهد تاريخ الإنسان الكثير من المواجهات الباردة والدامية بينهما ، ولتعدّد صور ومواقف هذا النزاع التاريخي المرير بين هذين المحورين ارتأينا أن نسلّط الضوء علىٰ طريقة التعامل والخطاب بينهما محاولين انتزاعها من واقع القصة القرآنية ، ولنأخذ مثالاً علىٰ ذلك قصة شعيب النبي عليهالسلام.
بعث شعيب عليهالسلام إلىٰ أهل مدين ، وقيل بعث كذلك إلىٰ « أصحاب الأيكة » ، فكانوا مترفين يحكمهم ملك جبار لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسون الناس أشياءهم ، ويكفرون بالله ويكذبون نبيّه ، وكانوا إذا اكتالوا يستوفون لأنفسهم.
في هذا الجوّ المشرك الجاهل العدواني والتخريبي
انطلق نور رسالي ليتعامل بفكر إلهي ونفس كريم فوضع يده علىٰ سرّ المأساة فدعاهم إلىٰ التوحيد وعبادة الله ، معالجاً فيهم الجهل (
مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ )
ثمّ نهاهم عن الممارسات السيّئة بحقّ الآخرين ، كما نهاهم عن العدوانية بقطع الطرق وتخويف الآخرين المخالفين لهم بالقتل (
وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ