بين الإيمان والكفر مسافة كبيرة ، كالذي بين البصير المهتدي والأعمىٰ الضالّ ، وكالعالم المتيقّن والجاهل الحيران ، في الطرف الأول اليسر والاستقامة والقصد ، وفي الطرف الثاني العسر والتعثّر والضلال.
وقد جاء هذا المثل لبيان حال الكافر الجاهل اللجوج ، والمؤمن المستبصر بالحقّ. فالذي يسقط علىٰ وجهه منكباً عليه لا يرىٰ طريقة ولايميّز عثراته فهو متعثّر السير دائماً ونتائج سيره غير مأمونة ، بينما الذي يمشي مستقيماً بشكل سوي وهو مطمئن إلىٰ استقامة الطريق فإنه لا شكّ سيمضي قدماً دونما تردّد أو خوف.
ان هذا المثل جاء بعد تأكيد الآيات لأصل الربوبية والتحذير من أية مخالفة أو إعراض عن الأوامر الإلهية ، وقد تعرّضت لإثارة المناخ الوجداني في القيمومة الربّانية ، وان كلّ ما في هذا الكون من خلق أو تدبير يعود إليه سبحانه ، فلماذا إذن هذا الاعراض والابتعاد عن طاعة الله القادر العزيز ؟
إن وضوح البراهين وتوارد الأدلّة لا يترك مجالاً للشكّ أو التحفّظ ، فإنّ من يمشي مكبّاً علىٰ وجهه ، ولا يستفيد من هذا الكشف والمعرفة ، فإنه لابدّ أن يقع في ضلالةٍ ، ويتيه في صحرائه المدبة بعيداً عن حياة التشريع الهادي.
إن هذه الحالة قد تجد لها مصاديق أقلّ منها ، لكنها أيضاً تتضمّن خطراً عظيماً يهدّد الفرد والمسيرة معاً ، وعليه فإنّ الإنسان في حركته مطالب بالكشف عن جزئيات سيره ، وأن يسستفيد من مفردات الدليل الكوني وخبرات المعرفة الاجتماعية من أن يستهدي الحق وألّا تزل به قدم بعد ثبوتها ، ويجب علىٰ المرء ألّا يحتقر خطر هذه الجزئيات وألّا ينظر إليها بأنها عديمة التأثير ، وبالتالي قد تشكّل هذه الجزئيات خطراً عظيماً لا يتمكّن من مجاوزته والتخلّص منه.