« صفّ التوحيد » بإمكاناته المتاحة وعدده القليل ، وتفاصيل هذه المواجهة التي ذكرتها كتب السيرة والتاريخ الحديث قد عرض القرآن الكريم جانباً حيوياً منها دون الخوض في تفاصيلها ، كما هو شأن القرآن في الاقتصار علىٰ مواطن العبرة المتجسّدة هنا في موقف الانفعال بالحدث وجوانبه النفسية ؛ قال تعالىٰ : ( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) (١).
إن هذا التصوير القرآني الرائع يكشف عن اتجاهات هذه النفوس التي ترزح لابتلاء عظيم يمكن وصفه بالزلزال والاضطراب الشديد المحسوس ، ففي هذا المقطع تتهيأ الأرضية عادة لاطلاق كلّ التصورات المخبأة خلف قضبان النفع والضرر والضرورة الاجتماعية وغيرها ، فحين يتخيل القوم أن مصارعهم تقترب إليهم لتقضي علىٰ أحلامهم ، فهم بفعل هذه القوة الضاغطة يسفرون عن متبنّياتهم وعقائدهم ، وهذا ما حصل لفئة المنافقين ؛ إذ ظنّوا بالله الظنونا ، فقال بعضهم : إن الكفار سيغلبون ويستولون علىٰ المدينة وقال بعضهم : إن الإسلام سينمحق والدين سيضيع وقال آخرون : إن الجاهلية ستعود كما كانت ، وهكذا تصورات هابطة أسفرت عنها فئة المنافقين ، فهم يتمنون ذلك ويميلون إليه ، بينما أطلق المؤمنون كلمات التصديق بوعد الله ورسوله ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.. ) (٢).
_______________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ١٠ ـ ١١.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٢٢.