وملجأ الخائفين الذي من دخله كان آمناً من الروع ، وجعلت مكة قبلة يتوجه إليها ومكاناً ذا شأن عظيم ، يقصدها الناس من كلّ مكان ، فمن يعيش هذه النعم المجتمعة في واقعة وحياته ثم يكفر بها فلا ينتظر إلّا العذاب والجزاء إذا ما فرط في شكرها ، لذلك ضرب القرآن الكريم مثلاً لبيان الخطر الذي يلف القوم الجاحدين لنعم الله المحيطة بهم ، فجاء المثل بالقرية المطمئنة التي لا يزعجها الخوف ، والموسع عليها في رزقها ، وحين كفرت ولم تشكر هذه النعم لاقت مصيرها المحتوم ضمن سنن الله في العقاب والثواب. والملاحظ في هذا المثل أن العذاب جاء مقابلاً للنعم ، فالجوع عاقبة للرزق الرغيد ، والخوف عاقبة للاطمئنان ، وذلك بعد الكفر بهما.
وفي هذا المثل القرآني استخدم القرآن الكريم حالة مشددة من العذاب ، فلم يكن الخوف والجوع لوحدهما جزاءً ولكنهما رتّبا من طريقين : احدهما الالباس ، وثانيهما الاذاقة ، وذلك زيادة في اثارة الاحاسيس والخشية من وقوع مثل هذا الجوع والخوف.
وقد يقال : كيف تكون الاذاقة مع الالباس ؟ والجواب : انه يصح ان يقال ذاق فلان الجوع والضر ، أو اذاقه ذلك ، وكذلك الالباس كقوله : ألبس الله الكافرين ثوب الجوع والخوف ، ليثير الالباس حالة شديدة من الجوع والخوف لما يغشاه ويحيط به فكأنك تقول : أذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف.
ان هذا العرض القرآني الكريم من أجل
ترسيخ الحالة التي يجب ان نكون عليها امام النعم ووجوب شكرها ، والحذر من الكفر بنعم الله سبحانه ، وان هذه الحالة قد تكتسب اهميتها الاجتماعية من جانب حدوثها وحصولها المتكرر في الوسط الفردي والمجتمع كذلك ، وعليه فينبغي مراقبة النفس وكيفية تحركها