وأثر النور المتولّد عنها في واقع الحياة لتجسيد حالة شعورية وتشخيص مواقف يستبطنها النفاق ، فالذي يعيش وسط الظلام وتنعدم في ناظريه مشخصات الطريق ، يلتمس له نوراً ، فيطلب إيقاد النار أو يوقدها لينتفع بها في تبديدها للظلمات بالمقدار الذي يكشف له الطريق ، ولكن هذه الاستفادة لم تدم إذ سرعان ما ستنطفي النار ويخيّم الظلام عليهم من جديد ، وهذا هو حال المنافقين في دار الدنيا الذين لم يبصروا الهدىٰ وفقدوا وسائل تحصيله فانهم سيبقون هكذا في ظلمات لا يبصرون فيها فيعيشون الحيرة والتيه ، وتضلّ مواقفهم ، وتضطرب لذلك مشاعرهم ، وتتفرّق قواهم بين نقيض أعمالهم ودهشة الظلمات التي تغطّي آفاقهم ، فمن يفقد النور سيتخبط في سيره خبط عشواء ويتعثّر.
وهؤلاء المنافقون حين أظهروا الإسلام تمتّعوا بحقوق المجتمع المسلم كغيرهم من المسلمين ، فحفظت حقوقهم وحرمت دماؤهم وتناكحوا وتعاونوا ، وحين ماتوا انتقلوا الىٰ ظلمات وعذاب وغضب الجبار ، وأحيطوا بظلمات منقلبهم بسوء أفعالهم. فما أشبههم إذن بمن استضاء من الظلام بنار ثم انطفأت عنه فعاد إلى عماه وحيرته !
عن ابن عباس ، قال : « هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، إنهم كانوا يغترون بالإسلام فيناكحهم المسلون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء ، فلما ما توا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءها » (١).
ومن الصور البلاغية في الآية ؛ استعمل القرآن عبارة ( ذَهَبَ اللَّهُ
_______________________
(١) تفسير ابن كثير ١ : ٥٤.