يعرض هذا المثل القرآني صورة مليئة بالحركة والقلق والاضطراب ، فالقرآن بريشته المقدّسة يرسم حركة النفس المنافقة فيستعين بظاهرة كونية وهي المطر الهاطل الغزير من كلّ أنحاء السماء يصاحبه ظلمات ورعد وبرق ، فهذا المطر يضطرّهم إلىٰ الفرار ، ولكن الظلمات الحاصلة والخوف والرعب من الرعد ، والبرق يمنعهم من الفرار ، فيضطربون في حيرة ، ثم يجعلون أصابعهم في آذانهم خوفاً من أصوات الرعد المحيطة بهم والمهدّدة لهم بالموت والفناء ، ويظنّون بوضعهم أصابعهم في آذانهم أنهم سيتخلّصون من الصواعق ، ولكن أصابعهم لا تمنع عنهم الموت والهلاك ، ومثل ذلك المنافق يظنّ أن في إظهاره الإيمان نفعاً يدفع عنه الضرر والأخطار ، ولكن أنّىٰ لهم ذلك ، فأثر الظاهرة الكونية لا يندفع حقّاً بحركة إصبع.
وقد يخيل للبعض ان البرق يكشف الظلمة ، ولكن الآية تصرّح بأن هذا البرق من القوة يكاد يخطف أبصارهم ويأخذ نور أعينهم ، ومن خلال هذا البرق الخاطف تكشف الآية عن حالة نفسانية للمنافقين ، وهي تردّدهم وحبّهم للمصلحة ، فمتى تحقّقت مصالحهم ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم ) (١) رضوا ورغبوا في الدين ( وَإِذَا أَظْلَمَ ) (٢) بانتهاء هذا البرق الخاطف ثبتوا وتوقفوا عن إبداء تلك الرغبة المنحرفة ، وهكذا حين نلحظ هذه الحركة القلقة لدىٰ المنتفعين بهذا البرق الخاطف السريع الزوال ، نقف علىٰ شدة الانهيار في نفوس المنافقين الناجمة من حالة التردّد والتمزّق بين مصالح الذات وبين حالات الامتحان والابتلاء.
_______________________
(١) و (٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٠.