فالجواب الإلهي يشتمل علىٰ جملة أمور :
١ ـ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا ... ) كأنه جاء جواباً لقول الكفرة : أما يستحي ربّ محمّد ان يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت ، فجاء علىٰ سبيل المقابلة واطباق الجواب علىٰ السؤال ، فمعنى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا ... ) هو سبحانه لا يترك ضرب المثال ولو بالبعوضة ؛ لأنها وإن كانت ضعيفة إلّا أنها من خلق الله وصنعه المتقن العجيب ، بل هي من جند الله بحيث يمكن تسخيرها للقضاء على أمة بكاملها لما تحمله من جراثيم فتاكة ، في حين لا تتأثر بها !!
٢ ـ قيل في معنىٰ ( فَمَا فَوْقَهَا ) معنيان :
أ ـ ما زاد علىٰ البعوضة في حقارتها وصغرها كقولك : فلان أسفل الناس وأكثر.
ب ـ ما زاد علىٰ البعوضة في حجمها وكبرها.
٣ ـ ان ضرب الأمثال هو لتقريب البعيد وإدناء المتوهم من الشاهد ، فهذا غرض المثال وهدفه بعيداً عن حجم وشكل المتمثل به ، ولكن هناك وجهاً للماثلة بين التمثيل به وما يرمز إليه ، فمن خلال مطالعة سريعة لموارد المثل القرآني نجد مثل النور والضياء للإيمان والحق الأبلج ، ومثل الظلمة للنفاق والكفر ، وقد ضرب القرآن الكريم بيت العنكبوت مثلاً في الضعف والوهن.
ولا ريب أن الله سبحانه هو خالق الكبير والصغير ، وليس الصغير أخفّ عليه من الكبير ، وليس العظيم أصعب من الصغير ، فهناك مناسبة إذن في ضرب المثال ، ولا أثر لهذه الاعتبارات الشكلية.
ثم أن التمثيل بحقير الأشياء وصغرها جاء
علىٰ لسان العرب أنفسهم حين