أو فحص دقيق ، ومما تجدر الإشارة إليه أنّ مفهوم الشرك يتّسع لمعان كثيرة ، ومن هذه الأنماط أن قسماً منهم يؤمنون بوجود الخالق المدبّر ، ولكن العبادة عندهم يجب أن تتوجّه لأرباب وآلهة صغار ، كالأصنام أو الكواكب أو الشركاء الذين يُفْرَضُون ـ وهذا شأن الوثنيين ـ ولكن في هذا المطلب تكمن مغالطة كبيرة وهوّة تعرّي المنطق الوثني وتحجّه من غير حجّة خارجية إلّا برهان المناقضة الذي يلفّ اعتقادهم ذاته ، فهل المخلوق كالخالق ؟ وهل يفترض في المخلوقات الجنّ والملائكة وغيرها أن تكون شركاء لله سبحانه مع أنها فقيرة ومحتاجة إلىٰ فيضه سبحانه ، وتستمدّ وجودها من ذلك الفيض الواسع الكبير ؟ أنىٰ يكون ذلك ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) ؟!
فكلّ الصفات التي يتّصف بها المخلوقون من العلم والحياة والوجود وغيرها كثير ، هي صفات ناقصة لها مطلق واحد هو الله سبحانه مرجع هذه الصفات ومصدرها المطلق ، وقد أكّدت الآيات في هذا المقطع القرآني علىٰ إرجاع النعم والموجودات لله بعبارة ( وَمِنْ آيَاتِهِ .. ) مثل : خلق الإنسان من تراب ، وخلق الأزواج ، وجعل المودّة والرحمة ، وخلق السماوات والأرض ، واختلاف البرق خوفاً وطمعاً ، وإنزال الماء من السماء لإحياء الأرض بعد موتها ، وقيام السماء والأرض بأمره وغيرها ، ثمّ جاء قوله تعالىٰ : ( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) (٢).
_______________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٦٠.
(٢) سورة الروم : ٣٠ / ٢٦.