ذو اليقين علىٰ قدر يقينه ، وذو الشكّ علىٰ قدر شكّه ، فاحتمل الهوىٰ باطلاً كثيراً وجُفاءً ، فالماء هو الحقّ ، والأودية هي القلوب ، والسيل هو الهوىٰ ، والزبد هو الباطل ، والحلية والمتاع هو الحقّ. (١)
وكذلك قدر هذا السيل المندفع في قلب هذه الأودية ، ينسجم مع سعة هذه الوديان ، فهذه الوديان يكون حظّها من الماء النازل بقدرها ، فتتباين الحصص إذن ، وليس هذا التباين نابعاً من الماء نفسه ، وإنما من طبيعة وسعة المحلّ المتلقّي له.
قال علي بن إبراهيم : الكبير علىٰ قدر كبره ، والصغير علىٰ قدر صغره. (٢)
وهكذا تتنوّع المستويات الإيمانية ، وتتباين القدرات ، وتختلف الالتزامات من شخص لآهر ومن مجتمع لآخر كلّ حسب طبيعة المحلّ الذي هيّأه ومقدار الأثر الذي تركته عنايته واهتمامه بنفسه من أجل تعبيدها لله سبحانه ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (٣) فقد فتح الله سبحانه علىٰ المخلص من المؤمنين رحمته ، وينوّر ساحته بنور التوحيد ، ويجعل له نوراً يمشي به في الناس ، فيتّسع بذلك حظّه من التعاليم الإلهيّة ومعارف القرآن والحكمة ، وينتفع بإصابة الحقّ في الدنيا والآخرة.
قال علي بن إبراهيم : من أصاب الزبد وخَبَث الحلية في الدنيا لم ينتفع به ، وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به... ومن أصاب الحلية والمتاع في
_______________________
(١) تفسير القمّي ١ : ٣٦٢.
(٢) تفسير القمّي ١ : ٣٦٢.
(٣) سورة العنكبوت ٢٩ / ٦٩.