الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ) (١).
في سياق بيان الحقّ والباطل وتشخيص الإيمان من الكفر ، جاء هذا المثل ليكشف عن إمكانية وسعة المحل الذي يكون مكاناً للاعتقاد والتبنّي ، فقد نواجه في حياتنا مراتب عديدة من المؤمنين ؛ فمنهم الشديد في إيمانه ، ومنهم دون ذلك وهكذا حتّىٰ يضعف عند آخرين إلىٰ درجة الضمور والتلاشي ليظهر الكفر ويأخذ مراتبه ، فمبدأ السعة والضعف في قبول الحقّ يشكل الزاوية الأساس في ضرب هذا المثل وقد عبّر عن ذلك بكلمة « بقدرها » .
وقد جاء هذا المثل مشبّهاً القرآن والتعاليم الإلهية بالماء النازل من السماء ـ لمناسبة سموّ وعلوّ هذه الأفكار ـ أو هو تشبيه الحقّ بالماء ، والباطل بالزبد ، والقارئ لهذه الآية المباركة يقف أمام مشهد عظيم القدر ، وكأنّه ينظر إلىٰ بطون الوديان الواسعة والضيّقة منها وهي تستقبل الماء النازل من السماء ليندفع بقوّة ، ويطفو علىٰ سطحه غثاء زبد منتفخ ، فيخيّل للناظر أنّ الغثاء والزبد هو كلّ شيء في هذا السيل ، بينما هو في حقيقته لا يشكّل شيئاً نافعاً ، ويبقىٰ النفع والخير في حركة الماء غير المشهودة بوضوح تحت هذا الزبد والغثاء الذي يذهب ويزول ، وهذا شأن الخبث كذلك أيضاً يظهر علىٰ سطح المعادن المنصهرة منأجل حلية كالذهب والفضة أو متاع وفائدة مادية كصهر الحديد والرصاص ، بينما يبقىٰ النفع والخير في الذهب نفسه والحديد ذاته اللّذين يطفو عليهما هذا الخَبَث الذي لا فائدة فيه.
قال علي بن إبراهيم القمي : أنزل الحقّ من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها ؛
_______________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ١٧.