سلب الشكّ وجعل الشاكّ بمنزلة المتيقّن ، فمن البديهة أنّ دليل الاستصحاب الدالّ على عدم نقض اليقين بالشكّ الأعمّ من الواقعي والظاهريّ ، أنّ هذا الدليل لا يشمل نفسه.
بمعنى أنّه يدلّ على الحكم وهو عدم النقض بسبب الشكّ من غير ناحية هذا الدليل ، لأنّه لا يكون حكم حافظا لموضوع نفسه ، بل لا يعقل ذلك ، فإذا كان لسان الدليل للأمارة هو نفي الشكّ فلا يجوز التمسّك بدليل الاستصحاب لإثبات الحكم الظاهري حتّى يقال : إنّ السالبة الكليّة تنتقض بالموجبة الجزئيّة ، والمفروض أنّ لسان دليل الخبر أيضا لا يثبت حكما ، وإنّما لسانه نفي الشكّ ، مع أنّ الشكّ بالوجدان مع قيام الخبر على خلاف الحكم الثابت بالاستصحاب باق ، وليس من رأسه مرفوعا ، فالموضوع باق وما تغيّر عمّا كان عليه ، نعم الحكم الثابت بالاستصحاب مرفوع ، وهذا إنّما كان مناطا للحكومة لا الورود ، ومناط الورود إنّما كان تعليق جريان أحد الدليلين على عدم الآخر الّذي كان قد يعبّر عنه بتبدّل الموضوع وتغييره ، فعلى تقدير كون لسان دليل الخبر هو المعنى الرابع لا يكون مجال للورود ، بل حاكم بكونه ناظرا وشارحا كما عرفت من نفيه الحكم بلسان نفي الموضوع.
نعم ؛ إن كان لسان أدلّة حجيّة الأخبار هو المعاني الثلاثة الاولى ، فلا يبعد الورود ؛ لأنّها بنفسها تثبت حكما ظاهريّا ، فانتقاض السلب الكلّي المستفاد من الشكّ إنّما يكون من غير ناحية الاستصحاب ودليله ، فالموضوع ينقلب ويتغيّر ، فيحقّق مناط الورود ، ولكن أنّى لهم بإثبات كون لسان الأدلّة والأمارات هكذا ، لا من الوجه الرابع (١).
__________________
(١) إلى هنا تمّت الرسالة.