فأقول : ملخّص ما استفدت عن الاستاد ـ دام ظلّه ـ أنّه قال : مع الغضّ عمّا يرد على القول بورود الأمارات على الاستصحاب من العدول أوّلا عمّا هو ظاهر من معنى الشكّ الواقع في حديث الاستصحاب (١) ، وإخراجه إلى غيره من جعل الحكم أعمّ من الظاهري والواقعي ، مع أنّ ذلك خلاف ما تسالموا عليه ، لأنّهم بنوا أنّ الشكّ متعلّق بما تعلّق به لفظ اليقين الواقع في صدر الحديث حتّى لا يختلف متعلّقهما كما يقتضيه ظاهر القضيّة الاستصحابيّة ، وكذلك إخراج اليقين عن المعنى الظاهر فيه ثانيا ، لأنّ استناد النقض به يقتضي كونه بنفسه سببا وموجبا له لا أن يكون شرطا لتحقّق ما هو ناقض حقيقة ، وكيف ، لو كان متعلّق اليقين الحكم الظاهر ـ الّذي هو مفاد الأمارات الظنيّة ـ يكون النقض مستندا إليها ؛ لأنّها توجب التنجيز ، واليقين بها يصير شرطا لتحقّق المنجّز ، بخلاف ما لو كان العلم طريقا إلى الواقع ، فعند ذلك لمّا لم يكن منجّز غيره استند النقض إلى نفس اليقين ، فإنّه على هذا يصير العلم بمنزلة الأمارات الّتي هي كاشفة عن الواقع ، وتحقيق ذلك في بيان جعل الطرق.
والحاصل ؛ أنّه لمّا كان ظاهر كلّ عنوان اخذ في موضوع يقتضي كونه بنفسه دخيلا في ثبوت الحكم ومؤثّرا له ، فالقاعدة حاكمة بكون المراد من اليقين هو الكاشف عن الواقع والدالّ عليه ، لما عرفت ، كما كان هذا مدلول لفظ اليقين الواقع في صدر الحديث ، فالسياق أيضا مساعد لما ذكر.
فمع تسليم ذلك كلّه فنقول : قد عرفت أنّ مبنى كلام القائل بكون أدلّة حجيّة الخبر ـ مثلا ـ واردا على الاستصحاب هو التصرّف في لفظ الشكّ واليقين ، ولكن لا يفيده ذلك ؛ لأنّ لسان أدلّة اعتبار الأمارات إن كان من قبيل الرابع ، وهو
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.