أمّا على الأوّل فواضح ، وكذلك على الثاني ، لما نرى بالوجدان من قيام السيرة على الاكتفاء بالمعاطاة في الوقف ، كما في حصر المساجد والفراش للمشاهد المشرّفة وغيرها من السراج والقناديل ونحوها ، وهكذا في وقف الطرق والشوارع والخانات ، بل والمساجد ، حيث إنّه لم يعهد إلى الآن أن يكون النّاس ملتزمين بإجراء العقد اللفظي في مثل هذه الامور ، بل يكتفون بإيجادهم الخارجي لها وإحداثها بلا مئونة اخرى قديما وحديثا ، إلّا أن يقال : إنّها من باب الوقف بالسراية وأنّ إجراء العقد في أصل الموقوفة يكفي في توابعها ، ولو لم تكن محدثة.
ولكنّا بعد تسليمه إنّما يتمّ بالنسبة إلى التوابع كحصر المسجد ونحوها ، وأمّا في الامور (١) الاستقلاليّة والابتدائيّة كالقناطر ونحوها ممّا مثّلنا ، فلا يتمّ كما هو واضح ، مع أنّه لم يعهد فيها إجراء عقد الوقف بل بناء العرف والمتشرّعة على الاكتفاء بصرف إيجادها الخارجي ، أو إيجاد فعل فيها كالمرور على القناطر.
وبالجملة ، لا مجال لمنع جريان السيرة في الوقف من بين المعاملات رأسا والالتزام بها في المحقّرات لكونها المقدار المتيقّن دون الامور الخطيرة واختصاصها بغيرها إذ لا خصوصيّة لها ، وأمّا عدم الاكتفاء بالمعاطاة في مثل وقف القرى والقصبات وأمثالها ، فليس من باب عدم اكتفائهم بالمعاطاة في أصل الوقف وعدم مشروعيّتها ، بل هو من جهة الاحتياط وتشديد الأمر كما يعملونه من جهة الامور الأخر أيضا ، كالإشهاد وتنظيم الأوراق وغيرهما.
__________________
(١) يمكن دعوى منع كون ما ذكر من الأمثلة من باب الوقف ، بل هي من قبيل الإباحة ويؤيّده إجراؤهم أحكام المساجد عليها في باب إحياء الموات ، فراجع وتأمّل! «منه رحمهالله».