توضيح الفرق بين المجنون والسفيه والمغفّل والمغصوب الّذي حكموا ببطلان بعض الألفاظ الصادر منه في ذلك الحال ، كالظهار والإيلاء ، ويتوقّف على رسم مقدّمة ، وهي أنّ الأفعال الصادرة عن الإنسان على ثلاثة أقسام ـ كما حكي عن الغزالي ـ : اضطراري ، وإرادي ، واختياري.
فالاضطراري : ما لا يستند الفعل إليه ، كوقوع النازل من شاهق ـ مثلا ـ.
والإرادي : ما يصدر عن إرادة ومقتضى الطبيعة من غير سبق بالاختيار ، كحركة الأجفان عند وصول سهم إليها ، أو إرادة إهراق شيء في العين.
فالتكليف بالنسبة إلى الأفعال الاضطراريّة قبيح ، لأنّه تكليف بالمحال ، وبالنسبة إلى الثاني إن كان ممّا يمكن إزالته ولو بالرياضات أو بغيرها من الامور القاهرة على مقتضى الطبيعة فليس التكليف به محالا ، وإلّا فلا.
والفعل الاختياري ما يصدر منه باختيار وتروّؤ والالتفات إليه.
وتوضيح ذلك : أنّ كلّ فعل غير اضطراري إنّما يصدر من الشخص الملتفت بعد الالتفات إليه والعلم به ، ثمّ الالتفات والعلم بآثاره المحبوبة عنده ، ثمّ توجب ذلك الأثر المحبوب المرضيّ عنده إرادته إلى الفعل الموجب له ، بمعنى العزم عليه ، فإن كان ذلك الفعل محتاجا حصوله إلى مقدّمات فيشتغل الإنسان بإيجادها ثمّ بعدها لا بدّ من حصولها من إرادة مقارنة له ، ليخرج بها عن الغافل والساهي ، فإنّ الاعتبار بالغفلة وعدم الغفلة بالفعل بتلك النسبة والقصد والإرادة بالفعل ، لا الإرادة الأوّليّة الداعية إلى تحصيل الفعل بمقدّماته.
ولا ينافي ذلك ما بنينا عليه في العبادات من كون النيّة فيها هو الداعي لا الإخطار ، فإنّ المقصود الالتفات إلى الغرض والأثر الموجب للإرادة عند الفعل ،