والدين ، إلّا أنّه لا قصور في عموم «ما تركه الميّت فهو لوارثه» (١).
وأمّا إن بني على الثاني ـ كما هو التحقيق ـ فمقتضى ذلك خروج المشكوك عن الثلث ؛ إذ المفروض أنّ أعيان المال انتقل إلى الورثة فثبت كونها مالا لهم ، فقاعدة السلطنة لمّا كانت محكّمة فلا يجوز الخروج عنها إلّا بالمقدار المتيقّن وهو الثلث ، كما لا يخفى ، هذا ما يقتضيه الأصل.
وأمّا الحكم بحسب الدليل ؛ فنقول : إنّ الحكم في الواجبات الماليّة ـ أي التكاليف الّتي مآلها يكون إلى الالتزام بصرف المال في مثل الكفّارات ونحوها من القسم الرابع في الوصيّة بخروجها من صلب المال أو ثلثه ـ لمّا كان تابعا لصدق الدين عليها (٢) وعدمه ، فلا بدّ من البحث في ذلك.
فنقول : إنّ الدين عبارة عن اشتغال الذمّة بالمال ، بحيث إذا يتحقّق الدين فالعهدة يفرض عند العرف بمنزلة وعاء في الخارج موضوع عليها الشيء الموجود فيه ، بحيث يوجد أوّلا علقة بين المال والعهدة ، فيكون أثر ذلك ثبوت الحقّ للغير على الذمّة ، ثمّ يترتّب على ذلك الحكم الشرعي التكليفي بالأداء.
ولا ريب أنّ هذا المعنى لا يعقل في الأحكام التكليفيّة لأنّه قد أوضحنا في محلّه أنّ التكاليف إنّما يتعلّق بالأمر المعدوم لا بالموجود ، وإلّا يلزم تحصيل الحاصل ، فالمتعلّق به التكليف وإن لم يكن معدوما مطلقا ؛ لأنّه إنّما يتعلّق بالصور الذهنيّة الثابتة في ذهن المكلّف فيأمر بإيجادها في الخارج ، إلّا أنّ ذلك
__________________
(١) مسند أحمد : ٢ / ٤٥٣ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٩١٤ الحديث ٢٧٣٨ ، مع اختلاف يسير.
(٢) الّذي وقع في كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات هو إنّما يخرج من صلب المال الواجبات الماليّة ، وعليه يمكن أن يختلف مع ما في لسان الأدلّة ، ولكنّ الظاهر رجوع كلماتهم إليها أيضا ، فراجع! ، «منه رحمهالله».