هو ثبوت الأحكام للطبائع الكليّة ثمّ منها يسري إلى الأفراد ، ففي ما نحن فيه لمّا كان الحكم ـ وهو السلطنة ـ ثابتة لطبيعة العاقل البالغ فإذا شكّ في بقاء سلطنة هذه الطبيعة في حال من أحوالها فلا بأس باستصحابها في تلك الحالة ، فإذا أجرينا الاستصحاب في الطبيعة وأثبتنا الحكم لها في الحالة اللاحقة فيتبيّن حال الفرد المشكوك فيه قهرا ، لانطباق تلك الطبيعة له حسب الفرض.
ولا ريب أنّه يكفي في الاستصحاب انطباق الحكم على الموضوع في أحد جزئي الزمان ، فلا يتوهّم أنّه إذا لم تكن السلطنة لشخص المريض المشكوك فيه في الحالة السابقة رأسا موجودة [لا يجري الاستصحاب] ، لأنّ المفروض أنّه لم يكن قابلا لها ، إذ يكفي انطباقه عليه في الآن اللاحق ، بعد كون المفروض كون الحكم في الحقيقة ثابتا للطبيعة ، وهي في كلا الزمانين مورد للحكم.
نظير ذلك ما لو أمر بإكرام العلماء ثمّ شككنا بعد زمان في تقيّده بالعدول ، ولذلك ارتفع الحكم عن العالم المطلق ، ولذا نشكّ في إكرام زيد الّذي لم يكن بعالم في سابق الزمان والآن صار عالما مع اتّصافه بالفسق ، فلا إشكال أنّ مقتضى «لا تنتقض اليقين» (١) عدم جواز رفع اليد عن الحكم الثابت أوّلا ، وعدم الاعتناء باحتمال التقيّد المذكور فيجب إكرام مطلق العلماء فيستكشف حال زيد.
نعم ؛ قد يردّ هذا الاستصحاب لمعارضته باستصحاب الحالة السابقة لشخص المستصحب لأنّ المفروض أنّ شخص هذا المريض الّذي مسبوق بالصغر أو الجنون كان قبل مرضه محجورا عن التصرّف ، وممنوعا عن
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٧ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.