على كون المراد به أحدث شيئا بسببه أضرّ المسلمين ، فتأمّل!
وبالجملة ؛ فقد استظهر الضمان مطلقا فيه وفي الملك المشترك في الجملة.
ولكن الّذي ينبغي أن يقال : هو التفصيل ، كما أفاده (استحسنه) المحقّق وأفتى به جماعة من الأعاظم غيرهم ـ قدسسرهم ـ (١) ، لأنّه إذا أحدث البئر لمصلحة المسلمين في طريقهم مع عدم تقصيره في شيء ممّا يوقع الناس في الهلكة فاتّفق على خلاف العادة أنّه وقع فيه أحد فتلف ، فبمقتضى قوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (٢) عدم ضمانه ؛ لعدم كون عمله ذلك مشتملا على عدوان وتعدّ أصلا ، بل هو محسن فيه فقط بلا أن يكون تصرّفه ظلما على أحد ، فهو إحسان محض ، فلا موجب للضمان ، بخلاف ما لو أحدثه فيه لصلاح نفسه ، أو أحدثه لا لذلك ولكن قصّر في الأداء بوظائفه من طمّ فم البئر وغيره ، فإنّه لمّا لم يكن عمله ذلك مشتملا على الإحسان فليس شيء يمنع عن الضمان ، حسب ما يقتضيه أصل هذا العمل.
ومن ذلك ظهر ؛ أنّ إحداث البئر في ملكه لا يوجب الضمان لو وقع فيه أحد كان داخلا فيه بغير إذنه ، فإنّه يكون بمنزلة إحداث البئر في طريق المسلمين وإحاطته بحائط فصعد عليه أحد فوقع فيه ، فإنّ الحافر ليس ضامنا ؛ لعدم كون التلف مستندا إليه عادة ، وكذلك دار الشخص وملكه لمّا كان تسلّط عليه وعدم جواز دخول أحد فيه بغير إذنه فيه بمنزلة ذلك الحائط المحيط بالبئر الواقع ، فمن دخل فيه بغير إذنه فوقع في البئر فيكون كمن ألقى نفسه في البئر بلا توجّه ضمان
__________________
(١) شرائع الإسلام : ٣ / ٢٣٧ ، جواهر الكلام : ٣٧ / ٥٣.
(٢) التوبة (٩) : ٩١.