خوفه ، واما أن يتغلب على دوافع الخوف ويواصل تصميمه فيكون هو الذي رسم لنفسه الطريق ، واختار ـ بملء ارادته ـ تحمُّل مشاكل الخوف بالاقدام على مشروع يحتمل خسارته مثلا ، فليس من حقه أن يطالب بعد ذلك بتعويض مادي عن هذا الخوف مادام شعوراً ذاتيا وليس عملا مجسدا في مادة ولا سلعة منتجة. صحيح أن التغلب على الخوف في بعض الاحيان قد يكون ذا أهمية كبيرة من الناحية النفسية والخلقية ، ولكن التقييم الخلقي شيء والتقييم الاقتصادي شيء آخر » (١).
ونفس هذا الكلام يقال عن الإيثار الذي هو شعور ذاتي إن لم يكن هو نفس المخاطرة بمنظار دقيق.
ثم إن في الشريعة الاسلامية عدة ظواهر تبرهن على الموقف السلبي من المخاطرة في تسويغ الكسب ، فمن ذلك : حرمة القمار وحرمة الشركة في الابدان ، فان القمار يرتكز على اساس المخاطرة وحدها ، فالفائز يحصل على الرهان لانه غامر بماله وأقدم على دفع الرهان لخصمه اذا خسر الصفقة ، او قل آثر غيره بماله اذا خسر الصفقة.
وأما الشركة في الابدان فهي عبارة عن اتفاق اثنين أو اكثر على ممارسة كل واحد منهم عمله الخاص ، والاشتراك فيما يحصلون عليه من مكاسب ( كما اذا قرر طبيبان ان يمارس كل واحد منهما عمله في عيادته ، ويحصل في نهاية الشهر مثلا على نصف مجموع الاجور التي كسبها الطبيبان معاً خلال ذلك الشهر ) فان إلغاء هذه الشركة مردّه الى كون الكسب قائما فيها على اساس عنصر المخاطرة لا العمل ، لأنَّ كسب الطبيب الأقل دخلا ينبع من عنصر المخاطرة ولا يرتكز على عمل منفق.
وبهذا اتضح الفرق بين النظرة الاسلامية للدَّين ، والنظرة المخالفة ، إذ إن الرأسمالية لا تعترف بوجود قيم واخلاق في المجتمع (٢).
__________________
(١) اقتصادنا ، ج ٢ ، ص ٦٣٣ ـ ٦٣٤ ، من الطبعة السابعة عشرة ، طبعة دارالتعارف ببيروت.
(٢) راجع المحلق في آخر الكتاب.