يتهم بان قصده الحقيقي هو الربا ، فيدفع الثمن ليشتري بأقل من القيمة مؤجلا ويبيعها قبل قبضها بعد الاجل فيكون قد دفع مائة واستلم مائة وعشرين وقد منع منه الشارع لكونه فائدة مستترة تحت البيع.
ويؤيدهذه الحكمة هوجواز بيع السلعة على شخص ثالث تولية ( بدون ربح ).
ولكن يرد على هذه الحكمة :
١ ـ انها ليست مطردة في بيع البضاعة قبل قبضها اذا لم تكن السلعة مكيلة او موزونة بل جوزت الروايات بيعها قبل قبضها مرابحة كما سبق ، وما قيل من وجود نهي عن بيع كل مالم يقبض فهو لم يثبت (١).
٢ ـ ان كلامنا في القصد الحقيقي للبيع والشراء الذي قد تلازمه الخسارة او عدم الربح ، بخلاف الربا الذي هو ربح مضمون دائماً من دون الدخول في المعاملات ، فاذا دخل الانسان في المعاملة التي قد تربح وقد تخسر ، من دون اشتراط ارجاع ماله اليه مع الزيادة فهي معاملة بعيدة عن الربا حتى وإن حصل الربح قبل القبض بواسطة البيع الحقيقي.
والخلاصة : اننا لم نجد حكمة معقولة لشرط قبض المكيل او الموزون قبل البيع ، فلابدّ من التعبد بالحكم مقتصرين على مورده رغم وجود روايات ترخّص في بيع المكيل والموزون قبل قبضه ، الا أنها ضعيفة السند او مطلقة للبيع تولية
__________________
(١) اقول : لم يثبت وجود رواية عن النبي صلىاللهعليهوآله نقول : « لا تبيعن شيئاً حتى تقبضه » وانما روي عن ابن عباس رحمهالله : عن أن النبي صلىاللهعليهوآله : « نهى عن بيع الطعام قبل قبضه » وقال : « ولا أحسبُ كل شيء الا بمنزلة الطعام ». وقد روى هذه الرواية البخاري ، كتاب البيوع ، باب بيع الطعام قبل ان يقبض ج ٤ ، ٣٤٩ ومسلم ٣ / ١١٥٩. وواضح ان هذه الرواية ليست كلها قد صدرت من النبي صلىاللهعليهوآله ، بل إن الصادر هو الفقرة الاولى وهي النهي عن بيع الطعام قبل قبضه ، اما الفقرة الثانية فهي من اجتهاد ابن عباس. وعلى هذا فان صدر الرواية يُقيّد بالروايات الناهية عن بيع المكيل او الموزون قبل قبضه او يُفسر بها. اما ما لا كيل له ولا وزن فقد اجازت الروايات بيعه قبل قبضه مرابحة. راجع الروايات المفصلة بين عدم جواز بيع المكيل او الموزون قبل قبضه وجواز بيع ما عداهما.