وقال الفضل (١) :
جواب قاضي القضاة صحيح ، وتخطئته خطأ ظاهر ؛ لأنّ هذا ليس من الاجتهاد في الحرام ؛ فإنّ الاجتهاد في الحرام فيما لم يكن للحكم الحرام معارِض ، وها هنا ليس كذلك ؛ لأنّ إزالة المنكر على المحتسب والإمام واجب بقدر الوسع والإمكان ، فهذا يجوّز التجسّس ؛ لأنّه من جملته ، ومع الإزالة.
فكان التجسّس لإزالة المنكر خارجاً عن حكم مطلق التجسّس ، فيجوز فيه الاجتهاد.
ألا يرى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بكسر القدور التي طبخت فيها لحوم الحمير الأهليّة (٢) ـ مع أنّ الكسر إتلاف مال الغير ـ وهو حرام ؛ للنصّ والإجماع ، ومع ذلك أمر به ؛ لأنّ إزالة المنكر كانت تدعو إلى ذلك.
فإزالة المنكر إذا دعت إلى أمر لا يتيسر الإزالة إلاّ به ، يجوز للمحتسب (٣) الإقدام عليه.
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٤٠ الطبعة الحجرية.
(٢) انظر : صحيح البخاري ٧ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ح ٦٠ ، صحيح مسلم ٦ / ٦٣ ـ ٦٥ ، وفيها كلّها أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بإكفاء القدور وإهراق ما فيها لا غير ، إلاّ خبراً واحداً رواه مسلم في صحيحه ٦ / ٦٥ ورد فيه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بكسر القدور بعد إهراق ما فيها ؛ وفي تتمة الخبر أنّ رجلا قال : يا رسول الله! أوْ نهريقُها ونغسلُها؟ قال : أوْ ذاك.
وسيأتي ردّ الشيخ المظفّر (قدس سره) عليه في الصفحة ٢٣٧ ، من هذا الجزء.
(٣) المحتَسب : هو مَن يتولّى الإشراف على شؤون العامة ، مِن مراقبة الأسعار ،