وأقول :
لا يخفى أنّ النهي عن المنكر لا يتحقّق إلاّ مع إحراز وجود المنكر ، أو إحراز العزم عليه ؛ وبخلافه التجسّس ، فإنّه لا يتحقّق إلاّ مع الشكّ في ما يُتجسّس عنه.
فحينئذ إذا قام دليلٌ على وجوب النهي عن المنكر ، ودليلٌ على حرمة التجسّس ، لم يقع بينهما تزاحم أصلا ، لتباين موضوعيهما ، فلا وجه لدعوى خروج التجسّس لإزالة المنكر عن حكم مطلق التجسّس.
ولو سُلّمت المزاحمة ، فالمقتضي لحرمة التجسّس أهمّ وأقوى من مقتضى وجوب النهي عن المنكر ، فيلزم القول بحرمة التجسّس تقديماً لها على وجوب النهي عن المنكر المحتمل.
ويدلّ عليه ما حكاه في «كنز العمّال» (١) ، عن عبد الرزّاق ، والحاكم ، والبيهقي ، والطبراني ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وغيرهم ، عن ابن
__________________
(١) في كتاب الحدود ، ص ٨٣ من الجزء الثالث [٥ / ٤٠١ ـ ٤٠٢ ح ١٣٤٢٦]. منه (قدس سره).
وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ح ١٣٥١٩ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٢٤ ح ٨١٥٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٣٣١ ، المعجم الكبير ٩ / ١٠٩ ـ ١١٠ ح ٨٥٧٢ ، تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٥٥٥ ـ ٢٥٥٦ ح ١٤٢٧٩ ، مسند الحميدي ١ / ٤٨ ـ ٥٠ ح ٨٩ ، مسند أحمد ١ / ٤١٩ و ٤٣٨ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٨٧ ـ ٨٨ ح ٥١٥٥.