وأقول :
ذكر الفضل هنا أُموراً أشبه بالخيالات والخرافات ..
الأوّل : زعم أنّه جهّز ثلثَ جيش العسرة ، وهو قد روى سابقاً أنّه تبرّع بستّمئة بعير (١) ، فكيف تكون الستّمئة ثلث جهاز الجيش البالغ خمسة وعشرين ألفاً ، كما ذكره المؤرّخون (٢)؟! اللّهم إلاّ أن يكون الاختلاف بلحاظ اختلاف أخبارهم!
وليت شعري ، مَن تسمح نفسه بذلك المقدار الكثير ـ كيفما بلغ ـ ، كيف أشفق مِن تقديم صدقة النجوى الواجبة القليلة (٣)؟!
وكيف يجتمع لمن يكون بهذا الكرم ، تلك الأموال العظيمة التي يعطي منها أقاربه تلكَ العطايا الجسيمة؟!
الثاني : زعم أنّ العالِم بتحصيل الأموال ـ لا سيّما إذا استُخلِف ـ تزيد أمواله بالتجارة ، وهو خلاف الضرورة ؛ لأنّ الخليفة يشتغل بأُمور الناس والإسلام عن التجارة.
وقد رووا ـ كما مرّ ـ أنّ أبا بكر لمّا استُخلِف اشتغل عن التجارة
__________________
(١) راجع الصفحتين ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، من هذا الجزء.
(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٢٥ وفيه أنّ العسكر كانوا ثلاثين ألفاً والخيل عشرة آلاف ، المنتظم ـ لابن الجوزي ـ ٢ / ٤٢٥ وفيه كما في «الطبقات» وزاد أنّ الإبل كانت اثني عشر ألفاً ، زاد المعاد ٣ / ٤٥٢ ، تاريخ دمشق ٤ / ٣١ ، تاريخ الخميس ٢ / ١٢٣.
(٣) راجع مبحث آية المناجاة في : ج ٥ / ٢٩ ـ ٣٨ ، من هذا الكتاب.