وأقول :
يرد على ما أجاب عن الطعن الأوّل أُمور :
الأوّل : إنّ الاستدلال بحديث زيد بن ثابت باطلٌ لجهتين :
الأُولى : دلالته على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول شيئاً ويفعل خلافه ، ويأمر ولا يأتمر ؛ لأنّه يقول فيه : «أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة».
ويتّخذ حجرةً من حصير في المسجد يُصلّي بها النافلة ، وهذا ممتنع على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيكون الحديث كاذباً.
ودعوى أنّه أراد التشريع بفعله ، غير صحيحة ؛ لإغناء بيانه القولي عن الفعل المرجوح.
ولو سُلّم صحّة مثل هذا التشريع بالفعل ، كفى فيه أن يصلّي صلاة واحدة ، فكيف يصلّي لياليَ؟!
ثمّ إنّه إذا فُرض أنّ صلاة المرء في بيته أفضل ، فكيف يفرض عليهم المفضول لمجرّد صنيعهم له بوجه الندب؟!
الجهة الثانية : إنّ هذا الحديث غيرُ تامِّ الدلالة ؛ لأنّ اجتماع الناس إليه أعمّ من صلاتهم بصلاته ومنفردين ؛ ولعدم دلالة الحديث على علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بصلاتهم معه جماعة حينما صلّى.
ولذا قال البخاري في هذا الحديث ـ عندما رواه ـ في باب «صلاة الليل» : «فلمّا علم بهم جعل يقعد» (١).
__________________
(١) صحيح البخاري ١ / ٢٩٣ ح ١١٩.