ولا يخفى ما في قوله : «ولو كُتب عليكم ما قمتم به» من الذمّ لهم ، على خلاف ما يراه القوم من عدالتهم.
وأَوْلى منه في ذمّهم ما رواه مسلم في باب «استحباب صلاة النافلة في بيته» ، عن زيد بن ثابت ، قال في حديثه : «فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب ، فخرج إليهم رسول الله مُغْضَباً ...» (١) .. الحديث.
ورواه البخاري ـ أيضاً ـ في كتاب «الأدب» ، في «باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله عزّ وجلّ» (٢).
الأمر الثاني : إنّ حديث أبي هريرة لا دلالة فيه على مدّعى الخصم ، بل هو دالٌّ على الخلاف ؛ لأنّ المراد بترغيب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في قيام رمضان : هو الترغيب في قيامه فرادى ؛ إذ لا يمكن أن يُرغِّب في قيامه جماعةً في المسجد وهو يقول : «أفضل صلاة المرء في بيته» ، فإنّهما متضادّان.
فإذا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمر على ذلك إلى صدر من إمارة عمر ؛ كان عمر بأمره في قيام رمضان في المسجد جماعةً مُبدعاً ، وهو المطلوب!
الثالث : إنّ ما حمل عليه لفظ البدعة ، غير صحيح ؛ لأنّه إذا زعم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلّي بهم أحياناً ، لم يصحّ منه القول بأنّ خصوصها لم يكن في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إلاّ أن يريد أنّها لم تكن متعارفة في زمانه وإنْ ثبت أصلها ، لكن لا يحتاج حينئذ إلى القول بأنّها مأخوذة من
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ / ١٨٨.
(٢) صحيح البخاري ٨ / ٥٢ ذ ح ١٣٧.