وينتصف منك للمظلوم ، املك حميّة أنفك (١) ، وسورة حدّك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة (٢) ، وتأخير السّطوة ، حتّى يسكن غضبك فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك.
والواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة ، أو سنّة فاضلة ، أو أثر عن نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أو فريضة فى كتاب اللّه ، فتقتدى بما شاهدت ممّا عملنا [به] فيها (٣) ، وتجتهد لنفسك فى اتّباع ما عهدت إليك فى عهدى هذا ، واستوثقت به من الحجّة لنفسى عليك ، لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها. وأنا أسأل اللّه بسعة رحمته ، وعظيم قدرته على إعطاء كلّ رغبة (٤) أن يوفّقنى وإيّاك لما فيه رضاه من الاقامة
__________________
(١) يقال «فلان حمى الأنف» إذا كان أبيا يأنف الضيم ، أى : املك نفسك عند الغضب. والسورة ـ بفتح السين وسكون الواو ـ : الحدة ، والحد ـ بالفتح ـ : البأس. والغرب ـ بفتح فسكون ـ : الحد تشبيها له بحد السيف ونحوه
(٢) البادرة : ما يبدر من اللسان عند الغضب من سباب ونحوه ، وإطلاق اللسان يزيد الغضب اتقادا ، والسكوت يطفئ من لهبه
(٣) ضمير «فيها» يعود إلى جميع ما تقدم ، أى : تذكر كل ذلك واعمل فيه مثل ما رأيتنا نعمل ، واحذر التأويل حسب الهوى
(٤) «على» متعلقة بقدرة