٢٨ ـ ومن كتاب له عليه السّلام
إلى معاوية جوابا ، وهو من محاسن الكتب
أمّا بعد ، فقد أتانى كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لدينه ، وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا (١) إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه [تعالى] عندنا ، ونعمته علينا فى نبيّنا ، فكنت فى ذلك كناقل التّمر إلى هجر (٢) أو داعى مسدّده إلى النّضال ، وزعمت أنّ أفضل النّاس فى الاسلام فلان وفلان! [فذكرت] أمرا إن تمّم اعتزلك كلّه (٣) وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول ، والسّائس والمسوس ، وما للطّلقاء وأبناء الطّلقاء ، والتّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم (٤)؟ هيهات! لقد حنّ قدح ليس منها (٥) وطفق يحكم فيها
__________________
(١) أخفى أمرا عجيبا ثم أظهره ، وطفقت ـ بفتح فكسر ـ : أخذت. وعطف النعمة على البلاء عطف تفسير وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا
(٢) هجر : مدينة بالبحرين كثيرة النخيل ، والمسدد : معلم رمى السهام ، والنضال : المراماة ، أى : كمن يدعو أستاذه فى فن الرمى إلى المناضلة ، وهما مثلان لناقل الشىء إلى معدنه والمتعالم على معلمه.
(٣) إن صح ما ادعيت من فضلهم لم يكن لك حظ منه ، فأنت عنه بمعزل ، وثلمه : عيبه
(٤) يريد : أى حقيقة تكون لك مع هؤلاء؟ أى : ليست لك ماهية تذكر بينهم ، والطلقاء : الذين أسروا بالحرب ثم أطلقوا ، وكان منهم أبو سفيان ومعاوية ، والمهاجرون : من نصروا الدين فى ضعفه ولم يحاربوه
(٥) حن : صوت ، والقدح ـ بالكسر ـ : السهم ، وإذا كان سهم يخالف السهام كان له عند الرمى صوت يخالف أصواتها ، وهو مثل يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم. وأصل المثل لعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : قال له عقبة بن أبى معيط «أأقتل من بين قريش؟» فأجابه «حن قدح ليس منها»