رأيى ، ومخطىء فراستى ، وإنّك إذ تحاولنى الأمور (١) وتراجعنى السّطور كالمستثقل النّائم تكذبه أحلامه ، والمتحيّر القائم يبهظه مقامه ، لا يدرى أله ما يأتى أم عليه ، ولست به ، غير أنّه بك شبيه ، وأقسم باللّه إنّه لو لا بعض الاستبقاء (٢) لوصلت إليك منّى قوارع : تقرع العظم ، وتهلس اللّحم! واعلم أنّ الشّيطان قد ثبّطك عن أن تراجع أحسن أمورك (٣) ، وتأذن لمقال نصيحتك ، [والسّلام لأهله].
__________________
(١) حاول الأمر : طلبه ورامه ، أى : تطالبنى ببعض غاياتك كولاية الشام ونحوها ، وتراجعنى ـ أى : تطلب منى أن أرجع ـ إلى جوابك بالسطور. يقول : أنت فى محاولتك كالنائم الثقيل نومه : يحلم أنه نال شيئا ، فاذا انتبه وجد الرؤيا كذبت ، أى : عليه ، فأمانيك فيما تطلب شبيهة بالأحلام ، إن هى إلا خيالات باطلة ، وأنت أيضا كالمتحير فى أمره القائم فى شكه لا يخطو إلى قصده. «يبهظه» أى : يثقله ويشق عليه مقامه من الحيرة ، وإنك لست بالمتحير لمعرفتك الحق معنا ولكن المتحير شبيه بك ، فأنت أشد منه عناء وتعبا
(٢) الاستبقاء : الابقاء ، أى : لو لا إبقائى لك وعدم إرادتى لاهلاكك لأوصلت إليك قوارع ـ أى : دواهى ـ تقرع العظم ، أى : تصدمه فتكسره ، و «تهلس اللحم» أى : تذيبه وتنهكه
(٣) «ثبطك» أى : أقعدك عن مراجعة أحسن الأمور لك ، وهو الطاعة لنا ، وعن أن تأذن ـ أى : تسمع ـ لمقالنا فى نصيحتك