وأمّا قولك «إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت» ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة ، ومن أكله الباطل فإلى النّار. وأمّا استواؤنا فى الحرب والرّجال فلست بأمضى على الشّكّ منّى على اليقين ، وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة. وأمّا قولك «إنّا بنو عبد مناف» فكذلك نحن ، ولكن ليس أميّة كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبى طالب ، ولا المهاجر كالطّليق (١) ، ولا الصّريح كاللّصيق ، ولا المحقّ كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، ولبئس الخلف [خلفا] يتبع سلفا هوى فى نار جهنّم. وفى أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتى أذللنا بها العزيز ، ونعشنا بها الذّليل (٢).
__________________
(١) الطليق : الذى أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية ، وأبو سفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح ، والمهاجر : من آمن فى المخافة وهاجر تخلصا منها ، والصريح : صحيح النسب فى ذوى الحسب ، واللصيق : من ينتمى إليهم وهو أجنبى عنهم ، والصراحة والالتصاق ههنا بالنسبة إلى الدين ، فالصريح فيه : من أسلم اعتقادا وإخلاصا لم يلجئه إلى ذلك ملجىء من خوف أو نحوه ، واللصيق فيه : من أسلم تحت السيف أو رغبة فى الدنيا ، وقد صرح بذلك فى قوله «كنتم ممن دخل فى الدين إما رغبة وإما رهبة» والمدغل : المفسد ، وقوله «ولبئس الخلف خلفا» فان «خلفا» ساقط من أكثر النسخ ، وذكره من باب الجمع بين فاعل «نعم وبئس» والتمييز ، والجمهور على منعه ، وأجازه المبرد وجماعة ، ومثله نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت وكثير من أمثاله
(٢) نعشنا : رفعنا.