حكم على مكثر بها بالفاقة (١) ، وأعين من غنى عنها بالرّاحة (٢). ومن راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها (٣) ، ومن استشعر الشّعف بها ملأت ضميره أشجانا (٤). لهنّ رقص على سويداء قلبه (٥) همّ يشغله ، وهمّ يحزنه ، كذلك حتّى يؤخذ بكظمه فيلقى بالفضاء (٦) منقطعا أبهراه ، هيّنا على اللّه فناؤه ، وعلى الاحوان إلقاؤه (٧) ، [و] إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار (٨) ، ويسمع فيها بأذن المقت والإبغاض [إن] قيل أثرى قيل أكدى (٩)!! وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء! هذا ولم يأتهم
__________________
(١) المكثر بالدنيا حكم اللّه عليه بالفقر ، لأنه كلما أكثر زاد طمعه وطلبه ، فهو فى فقر دائم إلى ما يطمع فيه
(٢) غنى ـ كرضى ـ : استغنى : وغنى القلب عن الدنيا راحة تامة.
(٣) الزبرج ـ بكسر فسكون فكسر ـ : الزينة ، وراقه : أعجبه وحسن فى عينه ، والكمه ـ محركة ـ : العمى ، فمن نظر لزينتها بعين الاستحسان أعمت عينيه عن الحق
(٤) الشعف ـ بالعين محركة ـ : الولوع وشدة التعلق ، والأشجان : الأحزان
(٥) رقص ـ بالفتح وبالتحريك ـ : حركة واثب ، وسويداء القلب : حبته ، و «لهن» أى : للأشجان فهى تلعب بقلبه
(٦) الكظم ـ محركة ـ : مخرج النفس ، أى : حتى يخنقه الموت فيطرح بالفضاء. والأبهران : وريدا العنق ، وانقطاعهما : كناية عن الهلاك
(٧) إلقاؤه : طرحه فى قبره
(٨) أى : يأخذ من القوت ما يكفى بطن المضطر ، وهو ما يزيل الضرورة
(٩) بيان لحال الانسان فى الدنيا ، فلا يقال «فلان أثرى» ـ أى : استغنى ـ حتى يسمع بعد مدة بأنه أكدى ـ أى : افتقر ـ وصف لقلب الحال