أمّا بعد ، فإنّى أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه ، إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه (١) وأقلّ عتابه ، وكان طلحة والزّبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف ، وكان من عائشة فيه فلتة غضب (٢) ، فأتيح له قوم فقتلوه ، وبايعنى النّاس غير مستكرهين ولا مجبرين ، بل طائعين مخيّرين. واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها (٣) ، وجاشت [جيش] المرجل ، وقامت الفتنة على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم ، إن شاء اللّه.
__________________
(١) استعتابه : استرضاؤه ، والوجيف : ضرب من سير الخيل والأبل سريع ، وجملة «أهون سيرهما الوجيف» خبر «كان» أى : إنهما سارعا لاثارة الفتنة عليه. والحداء : زجر الأبل وسوقها.
(٢) قيل : إن أم أمير المؤمنين أخرجت نعلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقميصه من تحت ستارها ، وعثمان رضى اللّه عنه على المنبر ، وقالت : هذان نعلا رسول اللّه وقميصه لم تبل ، وقد بدلت من دينه ، وغيرت من سنته ، وجرى بينهما كلام المخاشنة ، فقالت : اقتلوا نعثلا ، تشبهه برجل معروف ، «فأتيح» أى : قدر له قوم فقتلوه
(٣) دار الهجرة : المدينة ، وقلع المكان بأهله : نبذهم فلم يصلح لاستيطانهم. وجاشت : غلت ، والجيش : الغليان. والمرجل ـ كمنبر ـ : القدر ، أى : فعليكم أن تقتدوا بأهل دار الهجرة فقد خرجوا جميعا لقتال أهل الفتنة. والقطب : هو نفس الامام قامت عليه فتنة أصحاب الجمل.