عنها بالزّاد المبلّغ ، والمتجر الرّابح : أصابوا لذّة زهد الدّنيا فى دنياهم ، وتيقّنوا أنهم جيران اللّه غدا فى آخرتهم ، لا تردّ لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة ، فاحذروا عباد اللّه الموت وقربه ، وأعدّوا له عدّته ، فإنّه يأتى بأمر عظيم ، وخطب جليل : بخير لا يكون معه شرّ أبدا ، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا! فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها ، ومن أقرب إلى النّار من عاملها؟ (١) وأنتم طرداء الموت : إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلّكم! الموت معقود بنواصيكم (٢) ، والدّنيا تطوى من خلفكم ، فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وعذابها جديد : [دار] ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرّج فيها كربة ، وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من اللّه ، وأن يحسن ظنّكم [به] ، فاجمعوا بينهما ، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه (٣) ، وإنّ أحسن النّاس ظنّا باللّه أشدّهم خوفا للّه
__________________
النعمة ، وينفق ماله فيما يرفع شأنه ويعلى كلمته فيعيش سعيدا مترفا ، كما عاش الجبابرة ، ثم ينقلب بالزاد ـ وهو الأجر ـ الذى يبلغه سعادة الآخرة جزاء على رعاية حق نفسه ومنفعتها الصحيحة فيما أوتى من الدنيا ، وهو بهذا يكون زاهدا فى الدنيا وهى مغدقة عليه.
(١) استفهام بمعنى النفى ، أى : لا أقرب إلى الجنة ممن يعمل لها الخ
(٢) النواصى : جمع ناصية ، وهى مقدم شعر الرأس
(٣) فان من خاف ربه عمل لطاعته ، وانتهى عن معصيته ، فرجا ثوابه ، بخلاف من لم يخفه ، فان رجاءه يكون طمعا فى غير مطمع ، نعوذ باللّه منه