نادما ، فلحقوه ببعض الطّريق ، وقد طفّلت الشّمس للإياب (١) فاقتتلوا شيئا كلا ولا (٢) فما كان إلاّ كموقف ساعة حتّى نجا جريضا (٣) بعد ما أخذ منه بالمخنّق (٤) ، ولم يبق منه غير الرّمق ، فلأيا بلأى ما نجا (٥) فدع عنك قريشا وتركاضهم فى الضّلال وتجوالهم فى الشّقاق (٦) وجماحهم فى التّيه ، فانّهم قد أجمعوا على حربى كاجماعهم على حرب رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قبلى ، فجزت قريشا عنّى الجوازى (٧) فقد قطعوا رحمى ، وسلبونى سلطان ابن أمّى (٨)
__________________
(١) «طفلت تطفيلا» أى : دنت وقربت ، والاياب : الرجوع إلى مغربها
(٢) كناية عن السرعة التامة ، فان حرفين ثانيهما حرف لين سريع الانقضاء عند السمع ، قال أبو برهان المغربى : ـ وأسرع فى العين من لحظة وأقصر فى السمع من لا ولا
(٣) الجريض ـ بالجيم ـ المغموم ، وبالحاء : الساقط لا يستطيع النهوض
(٤) المخنق ـ بضم ففتح فنون مشدة ـ الحلق محل ما يوضع الخناق ، والرمق ـ بالتحريك ـ : بقية النفس
(٥) لأيا : مصدر محذوف العامل ، ومعناه الشدة والعسر ، و «ما» بعده : مصدرية. و «نجا» فى معنى المصدر ، أى ، عسرت نجاته عسرا بعسر
(٦) التركاض : مبالغة فى الركض ، واستعاره لسرعة خواطرهم فى الضلال ، وكذلك التجوال من الجول والجولان ، والشقاق : الخلاف ، وجماحهم : استعصاؤهم على سابق الحق ، والتيه : الضلال والغواية
(٧) الجوازى : جمع جازية بمعنى المكافأة ، دعاء عليهم بالجزاء على أعمالهم
(٨) يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فان فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ربت رسول اللّه فى حجرها فقال النبى فى شأنها : «فاطمة أمى بعد امى»