.................................................................................................
______________________________________________________
حصلت بعد السبب السابق ، والسبب السابق المقتضي للقضاء يؤثر أثره.
وفيه : أن تقدم السبب لا أثر له ، لأنه لو فرضنا أن القضاء فوري يتزاحم هذا الواجب الفوري مع حجّة الإسلام ، وتقدم السبب لا أثر له في تقدم أحد الواجبين على الآخر ، بل العبرة بالأهمية وبفعلية التكليف بقاء ، وإن كان سبب أحد التكليفين أسبق ، كما إذا تزاحم وجوب الإزالة عن المسجد بنجاة الغريق ، فإنه لا إشكال في تقدم نجاة المؤمن لأنه أهم ، وإن كان سبب الإزالة أسبق ، فإن العبرة في باب التزاحم بالأهميّة ، وعليه إذا بنينا على أن الحجّ يعتبر فيه القدرة الشرعية وأن كل واجب أو حرام يمنع عن وجوب الحجّ ، والحجّ مشروط بعدم ترك الواجب وعدم إتيان المحرم ، فيتقدم القضاء ، لأن حجّ الإسلام غير واجب حينئذ ، لأن المفروض أن كلّاً من ترك الحرام ، وإتيان الواجب دخيل في وجوب حجّة الإسلام ، والواجب المقيد بالقدرة العقلية مقدم على الواجب المقيد بالقدرة الشرعية ، وقد ذكرنا في بحث الترتب أن الترتب لا يجري في الواجبات المقيدة بالقدرة الشرعية ، لأن التكليف الثاني معجّز عن الواجب المقيد بالقدرة الشرعية.
ونتيجة الكلام أن القضاء يتقدم لأنه لم يقيد بالقدرة الشرعية بخلاف الحجّ فإنه مقيد بالقدرة الشرعية.
هذا ولكن حققنا في بحث الترتب (١) أنّ الحجّ لم يؤخذ فيه القدرة الشرعية ، ولم يثبت ذلك بأي دليل ، فإنّ المعتبر في الحجّ الاستطاعة المفسرة في النصوص بالزاد والراحلة وتخلية السرب ، والقدرة الشرعية التي ذكروها غير معتبرة في وجوب الحجّ ، فطبعاً يتحقق التزاحم بين واجبين فعليين القضاء وحجّة الإسلام ولا ريب أنّ الثاني مقدّم لكونه أهم ، لأنه ممّا بُنيَ عليه الإسلام ، ومن أركانه ، وليس كذلك القضاء ، هذا كله مع تسليم فورية القضاء ، وأما على القول بعدم الفورية فالأمر أوضح.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢٤٧.