فلما قمت قال لي : متى أراك؟ فقلت : ألست حلفت ألّا تكلمني؟ فقال : العمر أقصر أن يكون معه هجر. قال وأنشدنا جحظة لأبي نواس (١) :
هلّا استعنت على الهموم |
|
صفراء من حلب الكروم |
ووهبت للعيش الحميد |
|
بقية العيش الذميم |
بما ليس فيها الأوانس |
|
والمزاهر كالخضوم (٢) |
يهدي (٣) التحية بينهم |
|
نظر النديم إلى النديم |
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو تراب حيدرة بن أحمد بن الحسين الأنصاري ، وأبو الحسن علي بن أحمد بن منصور ، قالوا : أنا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب ، أخبرني أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل ، أنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق ، نا محمّد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي ، نا ميمون بن هارون الكاتب ، عن أبي محمّد عمر بن محمّد بن عبد الملك الزيات ، عن محمّد بن ضوء بن الصلصال بن الدلهمس ، قال : كان أبو نواس يزورني إلى الكوفة فيأتي بيت خمار بالحيرة يقال له جابر ، وكان نظيفا نظيف الثوب وكان يعتق الشراب فيكون عنده ما يأتي عليه سنون قال : فرأى في يدي يوما شيئا عجيبا في نهاية الحسن وطيب الرائحة فقال لي : يا أبا جعفر لا يجتمع هذا والهمّ في صدر قال : وكان معجبا بضرب الطنبور فكان إذا جاءني جمعت له ضرّاب الطنابير ومعدنهم الكوفة فكان يسكر في الليلة سكرات قال : فجاءني مرة من ذلك فقال : قد حدث ، قلت : ما هو؟ قال : نهاني أمير المؤمنين محمّد عن شرب الخمر وأنشدني (٤) :
أيها الرائحان باللوم لوما |
|
لا أذوق المدام إلّا شميما |
القصيدة ، فقلت : ما تريد أن تفعل؟ قال : لا أشربها أخاف أن يبلغه أني شربتها فأتيناه بنبيذ وجلسنا في منزل جابر فلما دارت الكأس بيننا أنشأت أقول ، وأذكره قوله لي (٥) :
__________________
(١) ديوانه ص ١٣٧.
(٢) رواية الديوان :
بمجالس فيها المزاهر |
|
والأوانس كالنجوم |
(٣) الديوان : بدء التحية.
(٤) مطلع قصيدة تحت عنوان «حظي من الخمر» ديوانه ص ٢٩.
(٥) الأبيات في ديوانه ص ٩٩.