محمّد بن يحيى المزكّي ، ـ إملاء ـ أنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن عمرو بن سعيد الأحمسي ، نا يحيى بن محمّد بن سليمان الهمذاني ، أخبرني يعقوب بن زيد الفارسي ، قال : رأيت أبا نواس بالبصرة فقلت له : أنشدني من قولك شيئا يزجرني فأنشأ يقول :
أنقضت شرّتي فعفت الملاهي |
|
إذ رمى الشّيب مفرقي بالدواهي |
ونهتني النهى فملت إلى العدل |
|
وأشفقت من مقالة ناهي |
أيها العاقل المقيم على السهو |
|
ولا عذر في المعاد لساهي |
لا بأعمالنا نطيق خلاصا |
|
يوم تبدو السّمات فوق الجباه |
غير أنا على الإساءة والتفريط |
|
نرجو من حسن عفو الإله |
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا الحسين عبد الواحد بن أبي عبد الرّحمن نافلة أبي القاسم المذكر يقول : حكى جدي في كتبه عن شيوخه أن أبا العتاهية القاسم بن إسماعيل جاء إلى دكان شقيقه الورّاق فجلس وتحدث ثم ضرب بيده إلى دفتر فكتب في ظهره (١) :
أيا عجبا كيف يعصى الإله |
|
أم كيف يجحده الجاحد |
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
ولله في كل تحريكة |
|
وتسكينة أبدا شاهد (٢) |
ثم ألقاه ونهض ، فلما كان من الغد وبعد ذلك جاء أبو نواس فجلس وتحدث فضرب بيده إلى الدفتر فقال : أحسن ، قاتله الله ، والله لوددت أنه لي بجميع ما قلت ، لمن هي؟ قلنا لأبي العتاهية ، فقال : هو أحق به ، ثم أخذ أبو نواس الدفتر فكتب :
سبحان من خلق الخلق |
|
من ضعيف مهين |
يسوقه من قرار |
|
إلى قرار مكين |
يحور شيئا فشيئا |
|
في الحجب دون العيون |
حتى بدت حركات |
|
مخلوقة من سكون |
فلما عاد أبو العتاهية نظر فيه فلما نظر قال : أحسن قاتله الله ، والله لوددت أنها لي
__________________
(١) البيتان الأول والثاني في الأغاني ٤ / ٣٥.
(٢) بالأصل «ساحد» وفوقها علامة ، وعلى هامش الأصل «شاهد» وهو ما أثبتناه.