موسى بأن ربّاه وليداً منذ وُلِد إلى أن كَبِر ، فكان من جواب موسى له : تلك نعمة تَعتدّ بها عليّ لأنك عَبّدتَ بني إسرائيل ولو لم تُعبْدهم لكفَلني أهلي ولم يُلْقوني في اليمّ ، فإنما صارت نعمة لِمَا أقدمت عليه ممَّا حظره الله عليك.
وقال أبو إسحاق الزجّاج : المفسّرون أخرجوا هذه على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة ، كأنه قال : وأيّ نعمة لك عليّ في أن عَبَّدت بني إسرائيل واللفظ لفظ خبر. قال : والمعنى يخرج على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر. وفيه تبكيتٌ للمخاطَب كأنه قال له هذه نعمة أن اتخذتَ بني إسرائيل عَبيداً ، على جهة التهكّم بفرعون. واللفظ يوجب أن موسى قال له : هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيداً ولم تتخذني عَبداً ، وقال الشاعر في أعبَدت الرجل بمعنى عَبَّدته :
علام يُعْبِدُني قومي وقد كثرت |
فيهم أباعِر ما شاءوا وعُبْدانُ |
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : المُعَبَّد : المُذَلَّل. والمُعَبّد : البعير الجَرِبُ.
وأنشد لَطَرفة :
وأفردت إفراد البعير المعُبَّدِ
قال والمُعَبَّد : المكرَّم في بيت حاتم حيث يقول :
تقول ألا تُبقي عليك فإنني |
أرى المال عند الممسكين مُعَبَّدَا |
أي مُعَظَّماً مخدُوماً. قال : وأخبرني الحرّاني عن ابن السكيت : يقال اسْتَعْبَده وعَبَّدَه أي أخذه عَبْداً وأنشد قول رؤبة :
يَرْضَوْنَ بالتعبيد والتأمِيّ
قال : ويقال : تَعَبَّدت فلاناً أي اتّخذته عَبداً ، مثل عَبَّدته سَوَاء. وَتَأَمَّيْتُ فلانةَ أي اتخذتها أَمَةً.
وقال الفرّاء : يقال : فلان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة والعُبُودِيَّة والعَبْدِيّة. وتَعَبَّد الله العَبْد بالطاعة أي استعبده.
وقال الله جلّ وعزّ : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] قرأ أبو جعفر وشَيْبَة ونافِع وعاصِم وأبو عمرو والكسائي : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ).
قال الفرّاء : هو معطوف على قوله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) ومن عَبَدَ الطاغوت.
وقال الزجاج : قوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) نَسَقٌ على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) المعنى : من لعنه الله ومن عبد الطاغوت. قال وتأويل (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي أطاعه ـ يعني الشيطان ـ فيما سوّل له وأغواه. قال : والطاغوت هو الشيطان.
قال في قول الله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفَاتِحَة : ٥] : إياك نطيع الطاعة التي نخضع معها.
قال : ومعنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع. ويقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلاً بكثرة الوطء ، وبعيرٌ مُعَبَّد إذا كان مَطْليًّا بالقَطِران. وقرأ : (وعَبُدَ الطاغوتِ)