(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) [يس : ٢٢].
قال : وقولُ النبي صلىاللهعليهوسلم : «كلُّ مولودٍ يُولَد على الفِطرة»، يعني الخِلْقة التي فُطِرَ عليها في الرَّحِم من سعادة أو شقاوةٍ ، فإذا وَلَدَ يَهودِيَّان هوّدَاه في حُكم الدنيا ، أو نصرانِيّان نصّراه في الحكم ، أو مجوسِيان مَجَسَّاه في الحُكم ، وكان حُكمه حكمَ أبويه حتّى يُعَبّر عنه لسانه ، فإن مات قبل بلوغه مات على ما سَبق له من الفِطرة التي فُطرَ عليها ، فهذه فِطرةُ المولود.
قال : وفِطْرَةٌ ثانية : وهي الكلمةُ التي يصيرُ بها العبدُ مسلما ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسولُه جاء بالحقّ من عند الله عزوجل ، فتلك الفِطْرةُ : الدِّينُ.
والدليل على ذلك : حديثُ البَراء بن عازِب عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه علّم رجلا أن يقول إذا نام.
وقال : «فإنّك إن مُتَّ من ليلتك مُتَّ على الفِطْرة».
قال : وقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] فهذه فِطرة فُطرَ عليها المؤمن.
قال : وقيل : فُطِرَ كلُّ إنسان على معرفته بأن الله ربُّ كلِّ شيء وخالقه ، والله أعلم.
قال : وقد يقال : كلُّ مولود يُولَد على الفِطرة التي فَطَرَ الله عليها بني آدم حين أخرجَهم من صُلب آدم كما قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الأعراف : ١٧٢] ، الآية.
وقال أبو عُبيد : بلغني عن ابن المبارَك أنه سئل عن تأويل هذا الحديث فقال : تأويله الحديثُ الآخرُ : أن النبي صلىاللهعليهوسلم سُئل عن أطفال المشركين فقال : «اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملين» يذهبُ إلى أنهم إنما يُولدون على ما يَصِيرون إليه من إسلامٍ وكفر.
قال أبو عُبَيد : وسألت محمد بنَ الحسَن عن تفسير هذا الحديث فقال : كان هذا في أوّل الإسلام قبل نزول الفرائض.
يذهب إلى أنه لو كان يُولد على الفِطرة ثم مات قبل أن يهوِّده أبوَاه ما وَرِثهما ولا وَرِثاه ؛ لأنه مُسلم وهما كافران.
قلتُ : غَبا على محمد بن الحسن معنى الحديث ، فذهب إلى أن معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة».
حُكمٌ منه عليهالسلام قبل نزول الفرائض ثم نسخ ذلك الحكم من بعدُ ، وليس الأمر على ما ذهب إليه ، لأن معنى قوله : «كل مولود يولد على الفطرة» خبرٌ أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن قضاءٍ سَبق من الله للمولود ، وكتابٍ كتبه المَلَك بأمر الله جلّ وعزّ له من سعادة أو شقاوة ، والنّسخُ لا يكون في الأخبار ، إنما النسخ في الأحكام.
وقرأت بخط شَمِر في تفسير هذين الحديثين : أن إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلِيّ