فقال : لأن الكعبة بيته ، والحرم حجابه ، وعرفة بابه ، فلما أن قصده الوافدون أوقفهم فى الباب الأول يتضرعون إليه. فقيل له : فالمشعر كيف صار بالحرم؟ قال : لأنه لما أذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثانى وهى المزدلفة ، فلما طال تضرعهم بها أذن لهم بتقريب قربانا ، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم بمنى وتطهروا من الذنوب التى كانت لهم حجابا فيما بينهم وبين الله تعالى أذن لهم بزيارة بيته على الطهارة.
واعلم أن الموقف الكريم موقف الوفود فى فناء الملك يلتمسون منه عوائده الجميلة ، ثم الإقبال بعد ذلك إلى موقف الأبرار ومستقر الأخيار ؛ فموقف فى حل ، وموقف فى حرم ، ودنو من منزلة إلى منزلة.
ويروى أن بعض الصالحين من الصوفية حج إلى مكة ، فلما رجع دخل على الشيخ الشبلى ـ قدس الله سره ـ فقال له : عقدت الحج حين أحرمت؟ قال : نعم ، قال : فسخت بعقدك كل عقد يخالف هذا العقد؟ قال : لا ، قال : ما عقدت.
قال : تجردت عن ثيابك؟ قال : نعم ، قال : تجردت عند ذلك عن كل ما نهيت عنه؟ قال : لا. قال : ما تجردت. قال : لبيت؟ قال : نعم ، قال : سمعت جواب تلبيتك؟ قال : لا. قال : ما لبيت ، قال : دخلت الحرم؟ قال : نعم ، قال : حرّمت على نفسك الوقوع فى كل محرم بعده؟ قال : لا. قال : ما دخلت. قال : طفت بالبيت؟ قال : نعم ، قال : طالعت بقلبك عظمة من تطوف بيته؟ قال : لا. قال : ما طفت. قال : قمت عند المقام وصليت ركعتين؟ قال : نعم. قال : رأيت مكانك من بساط الرحمة؟ قال : لا. قال : ما قمت وما صليت. قال : دخلت الكعبة؟ قال : نعم ، قال : عرفت أنك خرجت حين دخلتها عن كل معصية؟ قال : لا. قال : ما دخلتها ، قال : شربت ماء زمزم؟ قال : نعم. قال : نويت أنك تغسل به حب الدنيا ووساوس الشيطان من قلبك؟ قال : لا. قال : ما شربت ، قال : سعيت بين الصفا والمروة؟ قال : نعم ، قال : سعيت بذلك بين الخوف والرجاء؟ قال : لا. قال : ما سعيت ، قال : خرجت إلى منى؟ قال : نعم. قال : أمنت من الخوف بذلك؟ قال : لا. قال : ما خرجت إليها. قال : وقفت بعرفات؟ قال : نعم. قال : عرفت أن الله تعالى يباهى بك ملائكته؟ قال : لا. قال : ما وقفت. قال : بت بمزدلفة؟ قال :