نعم. قال : هل سكنت بها بجوارحك لرحمة الله تعالى؟ قال : لا. قال : ما بت بها. قال : وقفت بالمشعر الحرام؟ قال : نعم. قال : استشعرت بشعائر أهل الولاية؟ قال : لا. قال : ما وقفت بالمشعر الحرام. قال : رميت الجمار؟ قال : نعم. قال :رميت بذلك عيوبك كلها؟ قال : لا. قال : ما رميت. قال : حلقت رأسك بمنى؟قال : نعم. قال : نويت بذلك إسقاط الذنوب والأدناس كلها؟ قال : لا. قال : ما حلقت. قال : ذبحت هديك؟ قال : نعم. قال : نويت بذلك أنك ذبحت عدوك إبليس؟ قال : لا. قال : ما ذبحت. قال : رجعت إلى مكة وطفت بالبيت؟ قال :نعم. قال : نويت أنك رجعت عن كل ما سوى الله تعالى؟ قال : لا. قال : ما رجعت وما طفت وما حججت ، ارجع فعليك العود لأداء فريضتك.
وعلى هذا كان حج العارفين والزاهدين وزيارة العابدين والمشتاقين ، وهذه الحكاية مروية عن ذى النون المصرى فى كتاب «مناقب الأبرار» (١). وذكرها النقاش أيضا فى «مناسكه» عن ذى النون رحمه الله.
وأنشد بعضهم فى هذا المعنى :
للناس حجّ ولى حج إلى سكنى |
|
تهدى الأضاحى وأهدى مهجتى ودمى |
يطوف بالبيت قوم لا بجارحة |
|
بالله طافوا فأغناهم عن الحرم |
إنّ الحبيب الذى يرضيه سفك دمى |
|
دمى حلال له فى الحلّ والحرم |
والله لو علمت روحى بمن علقت |
|
قامت على رأسها فضلا عن القدم |
يا لائمى لا تلمنى فى هواه ولو |
|
عانيت مثل الذى عانيت لم تلم |
وروى أنه حج زين العابدين علىّ بن الحسين (٢) ـ رضى الله عنهما ـ فلما أحرم واستوى على راحلته أصفر لونه وارتعدت فرائصه ولم يستطع أن يلبى ، فقيل له :مالك لا تلبى يا ابن سيدنا؟ فقال : أخشى أن يقال لى : لا لبيك ولا سعديك ،
__________________
(١) هو مناقب الأبرار ومحاسن الأخيار لابن خميس ، وتوجد له عدة نسخ خطية فى معهد المخطوطات العربية.
(٢) هو على بن الحسين بن على بن أبى طالب ؛ وكان يكنى أبا الحسين ، وقيل أبا محمد. انظر صفة الصفوة (٢ / ٦٦).